خطبة الجمعة 2 شعبان 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: اللهم أصلح لي أبنائي

ـــ من دعاء الإمام زين العابدين (ع) لوُلْدِه الوارد في الصحيفة السجادية بعد أن دعا لوالديه قال:
ـــ (اللَّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقَاءِ وُلْدِي): هذه هي العاطفة الطبيعية لدى الأبوين، حتى أن نوحاً (ع) في اللحظات الحاسمة من الطوفان دعا الله عزوجل أن يستثني ابنَه من الإهلاك: (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [هود:45-46].
ـــ نوح (ع) كان يعلم أنَّ ابنَه ضمنَ الفئة التي حكَمَ الله عليها بالإهلاك: (قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ) [هود:43].. ومع هذا تمسّك بالأمل إلى آخر لحظة.. هذه هي عاطفة الأبوين الطبيعية التي طغت حتى على الحالة النبوية عند نوح (ع).
ــــ ولكن الابن خيّب ظنّه لأنه كان مستكبراً معانداً: (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء).
ـــ ولذا فقد دعا الإمام زين العابدين (ع) بعد ذلك مباشرة بقوله: (وَبِإصْلاَحِهِمْ لِي) أي دعا لهم بالبقاء مع أن يكونوا صالحين، فما قيمة بقاء الأبناء إن كانوا مجرمين، أو فاسدين، أو سبباً لشقاء
الناس، وأن تكون حياتُهم مادةً لتضخّم كتاب أعمالهم في الآخرة بالمعاصي؟
ـــ (وَبِإمْتَاعِي بِهِمْ) يا رب اجعلهم سبباً لسعادتي كلما رأيتُهم، لا سبباً للحسرة والألم النفسي.
ـــ (إلهِي، امْدُدْ لِي فِي أَعْمَارِهِمْ، وَزِدْ لِي فِي آجَالِهِمْ، وَرَبِّ لِي صَغِيرَهُمْ وَقَوِّ لِي ضَعِيْفَهُمْ، وَأَصِحَّ لِي أَبْدَانَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ) ونلاحظ هنا كلمة (لي) المتكررة في العبارات السابقة.
ـــ وهذه رسالة إلى الأبناء... آباؤكم يتطلّعون إليكم.. آباؤكم بحاجة إليكم.. لا أقصد الحاجة المالية، ولكن الحاجة في الإحساس بوجودكم معهم، بدعمِكم لهم، روحياً ومعنوياً.. الإحساس بأنكم السند لهم، الإحساس بأن طموحَهم فيكم بأن تكونوا صالِحِين موفَّقِين في الدنيا والآخرة كان في مَحلِّه.
ـــ وهكذا فإن الآباء يتطلَّعون إلى الإحساس بمحبتكم لهم. قد تكون هذه المحبة موجودة لدى الأبناء، ولكنهم لا يُعيرون التعبيرَ عنها أي اهتمام، وكأنَّ المسألة محسومة ومعروفة، فما الداعي لإبرازها؟
ــــ وهذا خطأ كبير.. فمشاعر الحب إن لم تنعكس على الوجه، وفي الكلمات، وعلى مستوى الأفعال، وردود الأفعال، فما قيمة وجودها إذاً؟
ـــ الآباء يعلمون أن أبناءهم مُختَطفون من قِبَل التكنولوجيا الحديثة بأنواعها.. وهذه مشكلة كبيرة.. وبموازاتِها مشكلة تضخّم الأنا لدى الأبناء.. أنا المهم، وليذهب كلُّ شيء إلى الجحيم.. رغباتي، ولَهْوي، ومُتعتي، وخياراتي في الحياة، مقدَّمة على كل شيء، وعلى كل اعتبار.
ــــ ولكن مع هذا فإن الآباء والأمهات يستمرون في التطلع إلى الفرصة التي يفكُّ فيها أبناؤهم أغلالَ هذه العبودية ــــ ولو للحظات ــــ ليشاركوهم مشاعرَهم وأفكارَهم وتطلعاتِهم وهمومَهم.. يتطلّعون إلى تلك اللحظة تطلُّعَ المتأمِّل في أن يَحدُث شيءٌ ما يغيّر الواقع الصعب.
ـــ تماماً كما وقف نوح (ع) وهو يعلم أنَّ وعدَ الله حقٌّ، وأنه أحكم الحاكمين، ولكن مع هذا قال: (إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).. لأنه أب، ويبقى الأب كما الأم في تطلّع لأن تتدخَّل يدُ الغيب لتُغيِّرَ الواقع المر.
ـــ فقليلاً من روح الإيثار أيها الأبناء. فكّروا بمن حولكم أيضاً بالحجم الذي تفكّرون فيه بأنفسِكم، فإنَّ هذه الأنانية النابعة من الفلسفة الرأسمالية التي غَزَت العقول، ودَمَّرت الأرواح، ستقتُل كلَّ جميل في شخوصِكم.. فرأفةً بأنفسِكم، وبالوالدينِ إحساناً.