خطبة الجمعة 24 رجب 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: أوقاف الإمام الكاظم (ع)


ــــ عاشت ذرية الإمام علي (ع) خلال العهدين الأموي والعباسي فترات من الحصار والضغط الاقتصادي... وعايش الإمام الكاظم (ع) بنفسه تجربة في هذا الإطار.
ـــ ولعل هذه التجربة أو سواها هي التي دفعت الإمام الكاظم (ع) إلى الاهتمام بالزراعة كمورد اقتصادي ثابت ومستمر ومتنامي، له ولآل علي، وللفقراء، والمحتاجين، وأعمال الخير عموماً.
ــ وهذا ما تحقق فعلاً، حيث بارك الله عزوجل في عمله، حتى تحوّلت بعضُ بساتينِه لسعتها إلى قرية، وهي قرية (صَريا) التي عاش فيها بعض الأئمة (ع) لاحقاً ووُلد فيها الإمام الهادي(ع) وابنه محمد، ويقول أحد الباحثين من أهل المدينة أنها تقع جنوب المدينة المنورة وتسمى اليوم (سَريا).
ـــ وحوّل الإمام الكاظم (ع) الكثير من هذه البساتين إلى أوقاف في العناوين السابقة التي ذكرتها، لضمان استمرار عطائها، ورفع يد السلطة العباسية عنها.
ـــ إذاً فقد شخّص الإمام (ع) الأولوية واجتهد في إيجاد الحل العملي المستمر في عطائه من خلال هذا المشروع الذي جعله الله نامياً مباركاً.
ـــ قال الله عزوجل: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة:276].
والصدقات في الاستعمال القرآني أعم من المعنى المتبادر إلى أذهاننا اليوم، أي العطاء المستحب، فهو يشمل ما يُطلِق عليه الفقهاء عنوان (زكاة المال) كما قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا...) [التوبة:60]، ويشمل الوقف أو ما يُعرَف بعنوان الصدقة الجارية.
ـــ إذاً عندما يُعطي الإنسان من ماله قربة إلى الله تطوعاً أو استجابةً لأمرٍ مفروض، فإن الله سبحانه يُربي وينمّي ويارك في هذا العطاء.. كونوا على ثقة من ذلك.. فهذا وعدُ الله تبارك وتعالى.
ـــ ومن أفضل صور العطاء هذا، العطاء الذي يدوم ويبقى من خلال جعله وَقفاً وصدقةً جاريةً، ليستمر العطاء ولا ينتهي بإنفاقه، وهذا ما خطَّط له الإمام الكاظم (ع).
ـــ ولا ينبغي حصر هذا العطاء المستمر في بناء المساجد والحسينيات فحسب، المرجو من الإخوة والأخوات حينما يكتبون وصاياهم ويخصصون منها الثلث للصدقة الجارية.. أو حينما يُقررون القيام بمشروع وقفي ما أن يبحثوا عن الأولويات.
ـــ اليوم في ظل كل هذه الحروب التي تشهدها المنطقة هناك مشاريع تمس حاجات المعاقين، وتأسيس موارد للعمل والإنتاج التي تؤمِّن من خلالها الأسَر رزقَها، والحاجات التعليمية، والصحية
وغير ذلك من الموارد العديدة التي يحبها الله ويبارك فيها.
كانت هذه نفْحةٌ مِن نَفَحات هذه الشجرة المباركة، التي اصطفاها الله لتكون الأسوةَ الحسنَةَ للعالَمين، لنتَّبِعَ هَـــدْيَها، ونقتَبِسَ مِنْ نورِها، ونَنْهَلَ مِن مَعينِها الذي لا ينضَب. فسلامٌ على موسى بن جعفر في العالَمين، إنَّه كان من عبادِ الله المخلَصين، وكذلك يجزي الله المحسنين.