خطبة الجمعة 10 رجب 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: ماذا بعد إغلاق المصفاة؟


ـــ قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:54-55].
ــــ نعود بالزمن إلى ما قبل 3500 عام تقريباً.. مع بعض تفاصيل قصة النبي يوسف (ع)، حيث رأى الملكُ في منامه ما أزعجه.. ولم يجد أحداً يُؤوِّل له منامَه كما فعل يوسف (ع).
ـــ إلا أن يوسف (ع) لم يتوقف عند حد تأويل المنام، بل قدّم رؤيةً وخِطّةً عملية حول كيفية إدارة الأزَمة الاقتصادية القادمة، لتقليل الخسائر ما أمكن، والنهوض بذلك البلد من جديد وبقوة.
ـــ من هنا أُعجِب به الملِك، وقرّبه، وأعطاه الإمكانات، وأطلق يدَه، ووظفه ــ بحسب طلب يوسف ــ في ترتيب الأوضاع الاقتصادية، والنتيجة: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:56].
ــــ ما كان بالإمكان منع الحدث البيئي المتمثّل في حالة الجفاف والجدب القادمة بقوة ولمدة سبع سنوات، ولكن هذا لا يعني الاستسلام، وعدم الاستعداد للمرحلة الصعبة مع إيجاد البديل الممكن.
ــــ لا يمكن قياس النجاح الحقيقي عندما تكون الأمور مواتية وفي حالة رخاء ووفرة.. النجاح الحقيقي إنما يكون عند الشدة وفي الأزمات والتحديات:
أولاً، كيف نستعد لها لتقليل الخسائر ما أمكن.
وثانياً، كيف نوظف الإمكانات المتاحة حالياً لعبور تلك الأزمات.
وثالثاً، كيف نخطط ونُعِد لمرحلة ما بعد الأزمة لتكون لنا نهضة مجددة.
ـــ قبل أيام احتفلت شركة البترول الوطنية بإغلاق مصفاة الشعيبة لتكرير النفط بصفة نهائية.. وكان يحقق ثاني أعلى العوائد المالية للدولة من خلال القطاع النفطي. طبعاً من المتعارف إقامة مجالس عزاء عند الموت، ولكن أن يقام احتفال بهذه المناسبة.. فهذه بدعة!
ــــ على العموم.. هناك جوانب اقتصادية متعددة ترتبط بمسألة الإغلاق، كيف ستتصرف الكويت في فائض الخام البالغ 200 ألف برميل يومياً؟ أين سيذهب المسؤولون والعاملون في المصفاة؟ كيف سيتم تعويض الوقود الذي كانت توفره المصفاة للاستهلاك المحلي .. إلخ.
ـــ ولست خبيراً اقتصادياً ولا نفطياً حتى أسمح لنفسي بالدخول في تفاصيل الموضوع، ولدينا في هذا المسجد بالتحديد من أهل الخبرة والاختصاص في هذا الحقل ما تقر به العيون، ويغنوني عن ذلك.
ــــ ولكن هناك حداً أدنى من التساؤلات والأفكار لا يستطيع الإنسان تجاوزها والتغافل عنها.
1ــــ لكل شيء عمر افتراضي.. وقد انتهى العمر الافتراضي لهذه المحطة.. كلام منطقي وجميل.. ولكن يا ترى لماذا لم يتم الاستعداد مسبقاً لتهيئة محطة تكرير بديلة؟
ــــ هل نقتنع بحصة الكويت في مصفاتي عمان وفيتنام؟ وهل نضمن الظروف الإقليمية والدولية وتأمين الملاحة مستقبلاً؟
2ـــ على فرض صحة الكلام أن استيراد البنزين سيكون أقل كلفة من تصنيعه محلياً، فلماذا لم يكن هناك أي مشروع لتقليل الكلفة في التصنيع المحلي؟
ــــ لماذا ينجح الآخرون في تقديم الوقود بتكلفة أقل مما ننتجه نحن، ونحن بلد نفطي ونظرياً لا ينقصنا شيء.. لا على مستوى العقول، ولا المادة، ولا الأرض، ولا القوانين التشريعية.
3ـــ ذكر بعض أهلُ الاختصاص أنه لو استمرت الكويت باستيراد البنزين لمدة سنة ستكون الكلفة بحدود 432 مليون دولار وفق الأسعار الحالية. بمعنى أن ما تحصلت عليه الدولة من أموال لرفع الدعم عن البنزين المحلي ستدفعه مرة أخرى للشراء من الخارج! فأي تخطيط اقتصادي هذا؟
4ــــ إذا كان إغلاق المصفاة لطموح الكويت في بدائلَ للوقود تكون أفضل بيئياً، كالغاز مثلاً، وهو ما لم يتحقق إلى الآن، ولا يُعلم هل هو كلام حقيقي أم لمجرد التخدير ودغدغة المشاعر، فلماذا لم يتم التخطيط والتنفيذ لهذا الأمر في حركة موازية مع العمل على إغلاق مصفاة الشعيبة؟
ــــ ختاماً أقول: ليست المسألة متلخّصة في إغلاق مصفاة الشعيبة بهذه الصورة التي تمت عليها.. بل في كونها نموذجاً مُقلقاً لأسلوب إدارة الملف الاقتصادي في البلد.. قبل سنوات كانت تُدغدغُ مشاعرَنا أحلامُ مشاريعَ اقتصاديةٍ وعلميةٍ وبحثيةٍ وتنمويةٍ، تنطلق من تحويل الكويت إلى عاصمة عالمية للنفط، رسمت معالمَها عقولٌ كويتية مُبدعة ومخلصة، لا يكون فيها الإنتاج النفطي وحدَه الرافدَ الأساس للقوة الاقتصاديةِ عندنا، بل أن تتحول الكويت إلى نقطةِ استقطابٍ عالمية من خلال المشاريع النِّفطية المتعددة والمتنوعة التي نُصنّع ونُصدّر من خلالها المنتجاتِ البتروليةَ المختلفة، وعلى أعلى المستويات، وبأقل كلفة وأعلى عائد، بالإضافة إلى تأسيس الجامعاتِ والمعاهدِ ومراكزِ الأبحاثِ البتروليةِ المتخصصة، وما إلى ذلك من موانيء متطورة ومراكزَ ماليةٍ وتجاريةٍ وطبيةٍ ذات العلاقة.. فإذا بنا نتفاجأ بتبخُّر تلك الأحلام، لنتحول إلى بلدٍ مستورد للوقود.. ثم ليتقلّص طموحُنا من الكويت عاصمةً عالميةً للنِّفط، لتُزفّ لنا البشرى أن الكويت وفي غضون سنوات قلائل ستغدو عاصمةً عالميةً للبطون والمطاعم! أين عِدلُ يوسفَ (ع) الذي سيقرأ لنا المستقبل، ويخططَ بحكمةٍ لمواجهةِ الأزمات، ويبادرَ بالعمل والتنفيذ للمرحلة التي تليها على المستوى الاقتصادي والتنموي؟