خطبة الجمعة 10 رجب 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الإمام علي يدعو إلى الإنصاف

ــــ في كتاب أمير المؤمنين علي (ع) إلى الأشتر حين ولاه مصر: (أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ... وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَة عَلَى ظُلْم، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ).
ــــ من أصعب وأشد الأمور على الإنسان أن يكون منصفاً إذا كان الأمر يتعلق به أو بأحد الأطراف التي ذكرها الإمام (ع) في المقطع السابق من رسالته، وهذا ما نصّت عليه الآية القرآنية بوضوح. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ... فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ) [النساء:135]. لا تجعلوا أهواءكم سداً أمام الإنصاف والعدل، لا تُسلّموا قيادَكم لأهوائكم فتأخذ بكم بعيداً عن العدل والإنصاف.
ــــ في كتاب جامع الأحاديث للسيوطي عن الحسن قال: (لما قَتَل عليٌّ رضي الله عنه الحَرورية قالوا: مَن هؤلاء يا أميرَ المؤمنين؟ أكفارٌ هم؟ قال: مِن الكفر فَرّوا. قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً. قيل: فما هم؟ قال: قومٌ أصابتهم فتنةٌ فعَمُوا فيها وصَمُّوا).
ـــ كان الإمام علي (ع) في حالة حرب مع الخوارج، وكان بإمكانه توظيف السؤال السابق لمصلحته السياسية في هذا الصراع، فيحكم عليهم بالكفر، إلا أنه أنصفهم في الوصف كل الإنصاف.. لماذا؟ لأنه رجلُ العدلِ والإنصاف.. كان أبعد ما يكون عن الظلم.
ــــ وهكذا يجب أن نكون.. ولكن الحق يقال أننا كمسلمين.. على اختلاف مذاهبنا.. وفي أغلب الحالات والمواقف.. لسنا كذلك.. سواء في القضايا الشخصية أو العامة.
ــــ العالم الإسلامي اليوم يشهد مآسٍ إنسانيةً تفوق الوصف والحصر، فهل كانت مواقفنا منها مبنية على أساس إنساني أم طائفي؟ على أساس أخلاقي أم سياسي؟ على أساس قيمي أم حزبي؟
ــــ عندما تقع التفجيراتُ الإرهابيةُ في بعض المناطق العراقية ويذهب ضحيتَها المئاتُ من الأبرياء حرقاً وتقطيعاً وتشويهاً وإعاقةً ويُتماً وترمّلاً.. لا تهتز مشاعرُ الكثيرين.. ويمرُّ الحدثُ بالنسبة إليهم مرورَ الكرام.. لماذا؟ لأن الضحايا من الشيعة. وعندما يتمُّ قتلُ وإصابةُ المئاتِ من الأبرياء بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية في بعض المناطق السورية، بما فيهم من أطفالٍ في عمر الزهور، ذبَلوا وخمدت أنفاسُهم في لحظة غدر.. لا تهتزُّ مشاعرُ الكثيرين.. ويمرُّ الحدثُ بالنسبة إليهم مرورَ الكرام.. لماذا؟ لأن الضحايا هذه المرة من السنة. وهكذا بالنسبة إلى اليمنِ وليبيا والصومالِ وأفغانستانَ والباكستانَ وغيرِها.. المشاعرُ والقيمُ الأخلاقيةُ والمواقفُ الإنسانيةِ باتت مقسَّمةً طائفياً وحزبياً وسياسياً، وتُحرِّكُها الأجنداتُ السياسيةُ للقوى العظمى.. ففي يومٍ ما كانت القوى العظمى راضيةً عن صدام.. فكانت مجزرةُ حلبجة في كردستان العراق مغيَّبةً إعلامياً، ومبرَّرةً أخلاقياً، والكل يبحث عن وسيلةٍ لتبريرِ الجريمة، وإلقاءِ تبعاتِها على غيرِ الجاني الحقيقي.. وفي يومٍ لاحق تغيَّرت المصالح.. وأصبح صدام من المغضوب عليهم.. فتباكى العالم الغربي على ضحايا مجزرةِ حلبجةَ المنسيين.. وصبَّ لعناتِه على صدام.. واليوم، أصبحنا لا نختلف عن أولئك المنافقين في شيء.. نحن جميعاً، كمسلمين، بحاجةٍ إلى صحوةِ ضمير، وعودةٍ إلى مبادئنا التي نتلوها ليلَ نهار في كتاب الله، ولكن يبدو أنها صارت لا تجاوزُ تراقِيَنا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.