خطبة الجمعة 3 رجب 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: أهل البيت (ع) والتوحيد الخالص

ــــ روي أنه كان الإمام الصادق(ع) إذا دخل شهر رجب يدعو بهذا الدعاء وفي كل يوم من أيامه: (خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إِلَّا لَكَ، وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إِلَّا بِكَ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إِلَّا مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ، بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ، وَخَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطَّالِبِينَ، وَفَضْلُكَ مُبَاحٌ لِلسَّائِلِينَ، وَنَيْلُكَ مُتَاحٌ لِلْآمِلِينَ، وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ، وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ، عَادَتُكَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيئِينَ، وَسَبِيلُكَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ. اللَّهُمَّ فَاهْدِنِي هُدَى الْمُهْتَدِينَ، وَارْزُقْنِي اجْتِهَادَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْغَافِلِينَ الْمُبْعَدِينَ، واغْفِرْ لِي يَوْمَ الدِّينِ).
ــــ ذكرت في أكثر من مناسبة أن أهل البيت (ع) كانوا رواد التوحيد والمدافعين عنه، ابتداء من أمير المؤمنين علي (ع) كما نجد أمثلة كلماته حاضرة في نهج البلاغة ابتداء من الخطبة الأولى فيها والتي قال فيها: (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإخْلاصُ لَهُ) ثم يستغرق (ع) في شرح مفهوم التوحيد والصفات بصورة أدهشت البعض حتى أنكروا أنها لعلي (ع) لعمق مفاهيمها الفلسفية.. ولكنه علي.. وما أدراكم ما علي!
ـــ ثم استمر الأئمة من أهل البيت (ع) في الدفاع عن التوحيدِ الخالصِ في وجه كل المحاولات التي جرت لتقديم صور مشوّهة ومحرّفة عن ذلك.
ـــ تصوّروا أن يصل الحال بالمسلمين في الفهم الخاطيء لمسألة التوحيد أن يتجرأ أحدهم ليقول والعياذ بالله تعالى عن قوله علواً كبيراً:
وما الكلبُ والخنزيرُ إلا إلهُنا وما الله إلا راهبٌ في كنيسة
ــــ ووصلت هذه الجرأة إلى ما وصلت إليه تارة نتيجة التخلي عن الثقلين.. كتابِ الله وعترةِ النبي.. فقائل يقول بسقوط قيمة وحجية القرآن، وآخر سعى لتغييب أهل البيت عن المعرفة الإيمانية.
ــــ وتارة أخرى نتيجة التلاعب والتحريف في تفسير كتاب الله، وفي نفس الأحاديث الشريفة.
ـــ وفي الدعاء السابق عمل الإمام الصادق (ع) أيضاً على تأكيد جانب من جوانب التوحيد في مدرسة أهل البيت (ع)، وهو التوحيد في الدعاء لله، مؤكداً على خيبة وخسارة وضياع وإجداب مَن يفد على غير الله في ذلك... فهل نحن على خطاهم ومنهجهم؟
ـــ وإنما يلجأ الإنسان لغير الله لتصوره أن باب الله موصد في وجهه، أو أن لله حُجّاباً كما للملوك والسلاطين!
ـــ لذا عمل الإمام الصادق (ع) في هذا الدعاء على مخاطبة الله تعالى بصورة مباشرة، مؤكداً في ذات الوقت على أن بابه سبحانه مفتوح على الدوام... فمن يَسأل يُجاب، ومَن يَطلب يُعطى مِن فضل الله، تماماً كما أكد ذلك من قبل جدُّه الإمام زين العابدين (ع).
ــــ فعن أبي حمزة الثمالي أنه قال: (سمعْتُ علي بن الحسين (ع) يدعو في الحِجْرِ في غُرَّة رجب في سَنةِ ابنِ الزبير) أي التي قُتل فيها عبدالله بن الزبير، وهي سنة 73 هـ (فأنصَتُّ إليه، وكان يقول: يا مَنْ يَمْلِكُ حَوائِجَ السّائِلينَ، ويَعْلَمُ ضَميرَ الصّامِتينَ، لِكُلِّ مَسْأَلَة مِنْكَ سَمْعٌ حاضِرٌ وَجَوابٌ عَتيدٌ، اَللّـهُمَّ وَمَواعيدُكَ الصّادِقَةُ، وأياديكَ الفاضِلَةُ، ورَحْمَتُكَ الواسِعَةُ، فأسْألُكَ أن تٌصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وأنْ تَقْضِيَ حَوائِجي لِلدُّنْيا وَالآخِرَةِ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شيء قَديرٌ).
ـــ فلنجعل من شهر رجب منطلقاً جديداً للعلاقة التوحيدية الخالصة لله سبحانه، بعيداً عن المفاهيم الضبابية والممارسات المغلوطة التي لا تتناسب والروح التوحيدية التي عمل أهل البيت (ع) على ترسيخها في وصاياهم، وفي كلماتهم، وفي أدعيتهم، فقد خاب الوافدون على غير الله الذي لا يملك سواه حوائجَ السائلين، ولكل مسألة منه سمعٌ حاضر وجواب عتيد، لأنه القائل وقولُه صدق ووعدُه حق: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60].