خطبة الجمعة 25 جمادى الآخرة 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الرضا بالقضاء

ــــ لأدعية الإمام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية نكهة خاصة، يتذوق من خلالها الداعي أصنافاً من جمال التعبير، ووضوح البيان، والمعالجات العملية للهموم والتطلعات التي تمس الجوانب المختلفة من حياته.
ــــ ومن الأمور التي تمثّل سقطاتٍ في حياة الإنسان أن يعيش حالة من الاعتراض على أوضاعه، لا بمعنى أن يكون ذلك منطلَقاً لسعيه نحو الأفضل بالوسائل المشروعة، بل بمعنى السخط على قضاء الله وقدره، وبمعنى أن يعيش المقارنة الدائمة مع الآخرين، والحسرة والحسد الذي يشتعل في صدره نتيجة ذلك.
ــــ في دعائه (ع) والذي جاء بعنوان: (في الرِّضا إذا نظر إلى أصحابِ الدُّنيا) يعالج (ع) هذه المسألة من خلال البعدين الإيماني والنفسي فيقول: (الْحَمْدُ للهِ رِضىً بِحُكْمِ اللهِ).. فمن الناس من يحمد الله في مثل هذه المواقف، ولكنَّ ذكرُه لا يعبّر عن حقيقة ما في قلبه وعقله، ولذا فالإمام (ع) ينبّه إلى ضرورة التوأمة ما بين الذكر اللساني للحمد، وبين الرضا بحكم الله وقضائه وقدره.
ــــ(شَهِدْتُ أَنَّ اللهَ قَسَمَ مَعَايِشَ عِبَادِهِ بِالْعَدْلِ، وَأَخَذَ عَلَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ بِالْفَضْلِ) هذا ما يخص الجانب الإيماني العقَدي.. والموقف العملي في بعض الأحيان هو انعكاس لما يؤمن به الإنسان.
ــــ(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَلاَ تَفْتِنِّي بِمَا أَعْطَيْتَهُمْ) لا تجعله يا رب اختبارَ فشلٍ لي، فأعيش السخط على قدَرِك، والحسرةَ والألمَ في القلب، والحسد لهم (وَلا تَفْتِنْهُمْ بِمَا مَنَعْتَنِي) فيعيشون الكِبْرَ والعُجُبَ والاضطهادَ لي، لأنَّ لديهم من الدنيا ما لا أملك. وإن لم تجنّبني يا رب الفشل في هذا الاختبار (فَأحْسُدَ خَلْقَكَ، وَأَغْمِطَ حُكْمَكَ).
ــــ فما هي الصورة الإيجابية في مثل هذه الحالات حين يقارن الإنسان بين أوضاعه وأوضاع الآخرين الذين فاقوه ببعض الأمور المتعلقة بالحياة الدنيا؟
ــــ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ، وَطَيِّبْ بِقَضَائِـكَ نَفْسِي) جنّبني الاعتراض والسخط (وَوَسِّعْ بِمَـواقِعِ حُكْمِكَ صَدْرِي) لأن الصدر يضيق في مثل هذه الحالات فيشعر الإنسان وكأنه يختنق ويسعى للبحث عن الوسائل التي تنّفس له عن هذا الضيق، ولربما يلجأ إلى الأساليب المحرمة كالتسقيط والبهتان والإيذاء الجسدي وما إلى ذلك تخفيفاً عن حالة الاحتقان النفسي لديه (وَهَبْ لِي الثِّقَةَ لأُقِرَّ مَعَهَا بِأَنَّ قَضَاءَكَ لَمْ يَجْرِ إلاَّ بِالْخِيَرَةِ) فالخير في ما اختاره الله العليم بخفايا الأمور ومآلاتها.
ــــ (وَاجْعَلْ شُكْرِي لَكَ عَلَى مَا زَوَيْتَ عَنّي أَوْفَرَ مِنْ شُكْرِي إيَّاكَ عَلَى مَا خَوَّلْتَنِي) وهذه التفاتة رائعة تقوّي مناعة الإنسان في مثل هذه الحالات، وتحتاج إلى قوة إيمان.
ــــ وقد يكون إحساس الإنسان أحياناً بالحرمان دافعاً له لكي يحتقر من هو أكثر حرماناً منه، وأن يضطهده تنفيساً عن عقدته وسخطه، لذا قال (ع): (وَاعْصِمْنِي مِن أنْ أظُنَّ بِذِي عَدْم خَسَاسَةً) فيصدر عنّي ما هو غير محمود تجاهه من صور الكِبْر، والاستهزاء، والطغيان.
ــــ وقد يدفعني هذا أيضاً إلى أن يكون تقييمي للآخرين مبنياً على أساس الماديات ضعةً وارتفاعاً، وهو خلل آخر في إيماني وأخلاقي: (أَوْ أَظُنَّ بِصَاحِبِ ثَرْوَة فَضْلاً، فَإنَّ الشَّرِيفَ مَنْ شَرَّفَتْهُ طَاعَتُكَ، وَالْعَزِيزَ مَنْ أَعَزَّتْهُ عِبَادَتُكَ).
ثم يختم الإمام (ع) الدعاء بطلب الخير من الله الذي له ملك السماوات والأرض: (فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَمَتِّعْنَا بِثَرْوَة لاَ تَنْفَدُ، وَأَيِّدْنَا بِعِزٍّ لاَ يُفْقَدُ، وَأَسْرِحْنَا فِيْ مُلْكِ الأَبَدِ، إنَّكَ الْوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ).