خطبة الجمعة 27 جمادى الأولى 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الكذب وحقيقة الإيمان


ـــ الملاحظ في سلوك الكثير من المؤمنين استسهال الكذب.. ما عاد الكذب بالنسبة إلينا يمثّل ذنباً كبيراً وخللاً سلوكياً له تبعاته الاجتماعية السلبية.
ـــ واحدة من هذه التبعات السلبية: تدمير الثقة التي تمثّل عنصراً مهماً في البناء المجتمعي السليم.. في علاقة الأزواج ببعضهم البعض.. في علاقة الآباء بالأبناء.. في علاقة المعلم بالتلاميذ.. في علاقة المسؤول بالآخرين.. وأمثال ذلك.
ـــ كثيراً ما يردد المؤمنون: كيف لنا أن نعرف بأننا نسير في الاتجاه الصحيح؟ أن الله راض عنا؟ أننا سننال رضوان الله بعد الممات؟
ـــ هنا تأتي الإجابة: قيّم نفسك من خلال المعايير الإيمانية التي ترسم معالم الشخصية المؤمنة.
ــــ اعرض أفكارَك وأفعالَك وأقوالَك على هذه المعايير.. فما كان موافقاً لها فاثبت عليها واستزد منها، وما كان مخالفاً لها فاسعَ لاجتنابِها وتركها ولو بالتدريج.
ــــ ومن المعايير الحقيقية والحساسة في تقييم الحالة الإيمانية: الصدق في الكلام.
ــــ فعن النبي (ص) أنه قال: (لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة).
ــــ بالطبع الصورة عندنا مقلوبة.. نحن ننظر إلى كثرة العبادة أولاً.. هذا هو معيارنا في التقييم.
ـــ والواقع أن النبي (ص) يدلّنا في هذا الحديث ـــ وبوضوح ـــ أن كثرة العبادة لا قيمة لها إن لم تنعكس آثارُها الإيجابية على المستوى الأخلاقي والاجتماعي. وصِدْقُ الحديث على رأس تلك المعايير في الصورة السليمة للتقييم.
ـــ كما وأكد الإمام الصادق (ع) على أن الدعوة إلى صدق الحديث كان جزء لا يتجزأ من رسالات كل الأنبياء (ع) على مر التاريخ البشري، حيث قال: (إنَّ الله لم يبعث نبيّاً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة).
ـــ وهذا يعني أن الحقيقة الإيمانية غير مختمرة عند الكاذبين.. وإن صلوا، وإن زكوا وخمّسوا، وإن صاموا وحجّوا، وإن أطال الرجل لحيته، وإن كانت المرأة ملتزمة باللباس الشرعي وبالغت فيه.
ــــ هذه الأمور كلها لا تُثبت رسوخ الحالة الإيمانية لدى الإنسان.. ليست هي المعيار الكافي للتقييم. هناك شيء آخر.. هناك الصدق.. وهناك الأمانة.
ـــ فقد لا يكون مظهر الإنسان الخارجي إلا انسجاماً مع البيئة من حوله.. وقد لا تكون عباداته تلك إلا عن عادة يستوحش من تركها كما جاء عن الصادق(ع) أنه قال: (لا تغتـروا بكثرة صلاتهم وبصيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة وبالصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم بصدق الحديث وأداء الأمانة).
ــــ إن اعتياد واستسهال الكذب يقارِبُ الإنسانَ من النفاق، وقد روي عن الإمام الصادق(ع) عن رسول الله (ص) أنه قال: (ثلاثٌ مَن كُنّ فيه كان منافقاً، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: مَن إذا ائتُمِن خان، وإذا حدَّث كذِب، واذا وعَد أخلف، إن الله عزّ وجلّ قال في كتابه: [إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ] وقال: [أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ]).