خطبة الجمعة 20 جمادى الأولى 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: العلاقة بين الإسقاط وذكر المعائب


ــــ لماذا ننظر ـــ في أغلب الأحيان ــــ إلى الآخرين نظرة الباحث عن العيوب؟ فكل إنسان يدرك أنه غير معصوم عنها، فلماذا إذاً لا ينظر إلى ما بنفسه من عيوب، ويركّز على عيوب الغير؟
ـــ من أسباب ذلك ما اصطُلح عليه في علم النفس بعنوان (الإسقاط)، وهو آلية نفسية تتمثل في هجوم لا شعوري يحمي الفرد به نفسَه، إما بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة أو المستهجنة بالآخرين، أو للتهرب من المسؤولية وتبرير فشله بإلقاء اللائمة عليهم.
ــــ إذاً، فلنتذكر أنه كلما صدرت مني كلمة أُعيب فيها على الغير فعلاً أو صفةً ما، فإنني أعيب نفسي أمامهم:
ــــ إما لأنني فعلاً مبتلى بهذا العيب أو بما هو أكبر منه، وقد فضحت نفسي.
ـــــ وإمما لأنني ألصقت بنفسي عيباً وأنا بريء منه، لأن الناس سيعتبرون أنني أقوم بعملية إسقاط.
ــــ ولذا كانت نصيحة أهل الحكمة دائماً: اشتغِل بعيوبك عن عيوب الناس.
ـــ ولأمير المؤمنين (ع) كلمة رائعة في نهج البلاغة في الخطبة برقم 140 يبيّن فيها مسؤولية من يجد أنه قد وُفِّق للسلامة من عيوبٍ ما: (وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لأهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إِلَيْهمْ فِي السَّلاَمَةِ) عندما يقيّمون أنفسهم، ويقارنوها بغيرهم، أوّلاً: (أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ) روح إنسانية عالية، روح لا تعيش ذهنية التدمير للناس الذين يخطئون، بل تعيش روحية الرحمة لهم. أيها المؤمن المتدين، لا تغتر بما حققت، لا تترفع على أهل العيوب، فتكون تلك لحظة سقوطك من عل وابتلائك بالعيب بعد السلامة منه... هذه هي المسؤولية الأولى، والمسؤولية الثانية: (وَيَكُوَنَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَالْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ) وليتذكر لو سوّلت له نفسُه عُجُباً أن يُطلق العنان للسانه بالعيب أنه بين أمرين: (فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ؟! أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللهِ عَلَيْهِ مَنْ ذُنُوبِهِ مِـمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ! وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْب قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ؟! فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذلِكَ الذَّنْبَ بَعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللهَ فِيَما سِوَاهُ، مِمَّا هُو أَعْظَمُ مِنْهُ) وحتى لو بحث في ذاته وتوصل إلى أنه لم يرتكب كبيرة كما ارتكبها الغير فليعلم الحقيقة التالية: (وَأيْمُ اللهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ، لجُرْأتُهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ! يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ. فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ).
ــــ فلنحدِّق دائماً في أنفسنا ولا ننشغل بعيوب الآخرين فنفضحَ أنفسَنا من حيث لا ندري، ونكشفَ عيوبَنا من حيث لا نريد، أو نتهمها بما هي بريئة منه، ونحملَ فوق ذلك وِزرَ الكلمةَ اللامسؤولة التي أردنا أن نترفّعَ بها على الآخرين، وإذا بها تهوي بنا إلى حيث لا نريد: (ولَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ، وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق:16-22].