خطبة الجمعة 13 جمادى الأولى 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الإسلام وأهل الكتاب ـ 3


1ـــ هل كانت الحروب الصليبية لإنقاذ النصارى في المشرق من الاضطهاد الإسلامي؟ هذا ما صوّرته السيد بريجيت غابرييل حين أثنت على هذه الحروب، وافتخرت بها، وكأنها تتمنى تكرارَها.
ـــــ والوقائع التاريخية تؤكد على أن كثيراً من النصارى في المشرق صاروا ضد الغزو الصليبي الأوروبي، وانضم بعضهم لجيوش المسلمين، فكيف كانت الحروب الصليبية لنصرتهم كما تدّعي؟
ــــ قال غوستاف لوبون حول ما أحدثه الصليبيون من كوارث: (... فعقدوا مؤتمرًا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحو ستين ألفًا، فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً).
ــــ وكتب القس (ألفس أرسانيوس) المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: (لشدة غيظهم من عدم تعاون الأقباط معهم منعوهم من زيارة الأراضي المقدسة... كانوا في الحقيقة شديدي الحرص على أن يكونوا محايدين بل متعاونين في أحيان كثيرة مع المسلمين في مصر، لأنهم عنصران في بلد واحد، أما الصليبين فهم غرباء وغزاة).
ـــــ وكتب (إلياس جبور) وهو فلسطيني مسيحي: (العديد من المسيحيين العرب حاربوا مع المسلمين ضد الصليبيين، وتقول أدلة التاريخ أيضاً إن الغزاة الصليبيين عندما اجتاحوا القدس عام 1099 فإنهم لم يُقصِروا مذابحهم على المسلمين فقط، بل ذبحوا معهم المسيحيين أيضاً... وعندما فتح صلاح الدين الأيوبي القدس رفض أن يدخلها إلا وبصحبته بطريرك القدس، وعندما استعاد أنطاكية أعاد معه بطريرك الروم الأرثوذكس) ومقالته برمتها مهمة في هذا المجال.
2ـــ ومن بين تخرّصاتها: أنه بنهاية الخلافة عام1924 كان المسلمون قد قتلوا 270 مليون نسمة!
ــــ وفي الوقت الذي نشكك فيه بهذه الإحصائية، نتساءل: هل نسيت أنه في الحرب العالمية الأولى التي قامت في العالم الغربي، وفي غضون 4 سنوات، كان العدد الكلي للقتلى فقط في صفوف العسكريين والمدنيين قرابة 10 مليون نسمة. وكان عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية التي استمرت 6 سنوات فقط ما بين 62 إلى 78 مليون قتيل. أي أن مجموع من قتَلتهم الحضارة الغربية المسيحية وفي 10 سنوات فقط أكثر من 80 مليون نسمة.
3ــــ وتحدثت السيدة غابرييل عن التقية، وأنها تمثل الكذب والخداع والنفاق الذي يدعو إليه الإسلام.
ــــ وتجاهلت النصوص العديدة في الإنجيل والتي تتحدث عن ممارسة التقية من قبل الحواريين، ومن أوضحها المقطع الذي يتحدث عن ملاحقة أتباع المسيح (متى 26: 63): (أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار، فجاءت إليه جارية قائلة: وأنتَ كنتَ مع يسوع الجليلي؟ فأنكر قدام الجميع قائلاً: لستُ أدري ما تقولين. ثم رأته أخرى، فقالت: وهذا كان مع المسيح. فأنكر أيضاً بقَسَم: إني لستُ أعرف المسيح. وبعد قليل جاء الحرس وقالوا لبطرس: حقاً أنت أيضاً منهم، فإنَّ لغتَك تُظهِرُك. فابتدأ حينئذ يلعن) أي يتبرأ من المسيح (ويحلف: إني لا أعرف المسيح).
ـــ وأما اليهود فحالهم أشهر من أن يحتاج إلى دليل.
ـــ والحقيقة أن التقية سلوك إنساني عام، والمُلام عليه الجلاد لا الضحية.
4ـــــ ومن إثاراتِها حديثُها حول صلح الحديبية، حيث ادّعت أن النبي كان عازماً على نقض الميثاق منذ البداية، وأنه سرعان ما نقضه حين توافرت الظروف لذلك. وهذا كذب محض:
ــــ أولاً: جاء الأمر بالالتزام بالمواثيق والعهود والعقود في عدة مواضع من القرآن الكريم، ونجد مثال ذلك ما جاء في قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ... إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:1-4].
ــــ أي أن إلغاء المواثيق مع المشركين إنما تم بحق أولئك الذين لم يلتزموا بها وأعانوا الأعداء على المسلمين، وأما مع سواهم فقد أُمر النبي بالالتزام بها وإتمامها كاملة غير منقوصة.
ـــ ومن قبل، نهى القرآن عن الاعتداء: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190]. وهي من أوائل ما نزل في المدينة. فما هو مفهوم عدم العدوان في أجواء الحرب سوى عدم البدء بالحرب وعدم الغدر والالتزام بالمواثيق؟
ــــ وفي الآية 2 من سورة المائدة: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
ــــ ثانياً: بخصوص صلح الحديبية فإن العودة إلى النصوص التأريخية تؤكد أن قريشاً هي التي نقضت الميثاق، وذلك حين غزت بنو بكر حليفةُ قريش خزاعةَ حليفةَ المسلمين، وأعانتها قريش بالسلاح، حينها تكون قريش قد انقلبت على مضمون الصلح وأسقطته عن الاعتبار.
ـــ حريٌّ بأي منصف مطَّلِعٍ على التأريخ أن يصلَ إلى حقيقةٍ مفادُها عظمةُ الرسالة الإسلامية وعظمةُ صاحبِها (ص)، وأن الكلماتِ الحاقدةَ التي تعتمد على تزوير التأريخ، والتلاعب في المعطيات، وتهييج المشاعر السلبية، وتنطلق لخدمة الأجندات السياسية والانتخابية والمخابراتية سرعان ما تتحطم على صخرة الحقيقة، لأن الل تعالى يقول: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) [الرعد: 17].