خطبة الجمعة 6 جمادى الأولى 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: لنكون أعز


ــــ من الكلمات الخالدة للعقيلة زينب (رض) قولها ليزيد: (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا).
ـــــ لم تأتِ هذه الثقة الواضحة في كلمة العقيلة من فراغ، بل انطلقت من إيمانها بالوعد الإلهي في قوله تعالى: (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ، ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس:102-103]. وقوله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) [غافر:51].
ــــ وإذا كان سعيُ أعدائهم لمحو ذكرهم وإماتة وحيِهم أمراً واضحاً وبيّناً، فإن من الممكن أن يساهم في ذلك ـــ أيضاً ـــ محبّوهم ومدّعو التولّي والتشيع لهم.
ـــــ لقد نبّه أئمتنا (ع) على ضرورة مراعاة الجو العام بعدم طرح ما يمكن أن يثير الحساسيات، ويجر كراهية الناس، كما في المروي عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، فَتَغُرُّونَهُمْ بِنَا).
ـــ وكالخبر الصحيح المروي عن أبي بصير قال: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ .أَمَا وَاللَّهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَكَانُوا بِهِ أَعَزَّ، وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْ‏ءٍ، وَلَكِنْ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيَحُطُّ إِلَيْهَا عَشْراً).
ـــ وفي نص آخر أنه قال لرجل قدم عليه من الكوفة فسأله عن شيعته، فأخبره بحالهم، فقال: (والله، ما الناصبُ لنا حَرباً بأشدَّ علينا مؤونةً من الناطقِ علينا بما ذُكر) وفي نص آخر: بما نكره (ولو كانوا يقولون عنّي ما أقولُ ما عَبِأتُ بقولِهم، ولكانُوا أصحابي حقاً).
ـــ إن النصوصَ السابقة وأمثالَها تؤكد على أن أئمتنا (ع) كانوا حريصين على أن لا يتحدّثوا بما يسبب الشرخ في الساحة الإسلامية، وما يمكن أن يقدّم صورةً سلبيةً عنهم أو عمّن يتولاهم.. وأنهم كانوا يوصون بذلك بشدة.. وأنهم كانوا يعتبرون أن ما نُسِبَ إليهم مما يتنافى مع هذه القاعدة العامة إنما هو من وضْع الناس لا من أقوالهم (ع)، وهذا يعني أن دعوى البعض بعدم ضرورة مراعاة الآخرين في ما نطرح، سواءً من حيث المضمون، أو من حيث الأسلوب، يعتبر مساهمةً منّا في محوِ ذكرِ أهلِ البيت وإماتةِ وحيِهم. فلنكن المسؤولين في حمل عنوان الولاء والتشيع لهذه المدرسة التي أوصانا بها رسولُ الله (ص) في حديث الثقلين، ولنكن لأئمتنا زيناً، ولا نكونُ شيناً.. أن نحببَ الناس إليهم، وأن لا نبغّضَهم فيهم، فإننا لو روينا محاسِنَ كلامِهم لكنا بذلك أعزَّ وأحسنَ حالاً.