خطبة الجمعة 15 ربيع الثاني 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: حرص أم طموح ـ القسم الثاني


ـــ تساءلت في الأسبوع الماضي عن الحد ما بين الحرص والطموح، وما إذا كان من الممكن الجمع ما بين الطموح والقناعة.
ـــ الحرص ـــ على جمع المال أو الحصول على المنصب أو الفوز في الانتخابات أو غير ذلك ـــ يُعتبَر حالة مَرَضية، تتمثل في تحوّل الطُّموح إلى معبود يجتذب إليه الإنسان بقوة، فيستهلك كل جُهدِه وتفكيرِه ووقتِه وطاقتِه وحياتِه، وبتعبير الإمام علي(ع): (الحريصُ عبدُ المَطامِع).
ـــ ولهذا المعبود الذي يختلقه الإنسان لنفسه عدة آثار سلبية من بينها:
1. يُنسيه آخرتَه التي تُمثّل الغاية في وجوده في هذه الحياة، وهذا النسيان قد يكون من خلال إهمال الالتزامات المرتبطة بآخرته، أو بإباحة المحرمات للوصول لمبتغاه.
2. فقدانه أو عدم الحصول عليه يعرّضه للإصابة بالانهيار النفسي أو الجنون أو بالمرض المقعِد، بالإضافة إلى احتمال تحوّله إلى شخصية عدائية تجاه منافسيه أو من لم يقف معه، أو تجاه المجتمع الذي يحمّله مسؤولية فشله، وما يستتبع ذلك من فجور في الخصومة وأمثال ذلك.
3. إهمال الالتزامات الاجتماعية تجاه أسرته وأقربائه.
4. الهم الدائم والخوف المستمر والقلق المَرَضي من المستقبل المرتبط بما هو حريصٌ بشأنه. وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في حديث عن الحريص: (حُرِمَ القناعة، فافتقد الراحة).
5. الإخلال بأسس الإيمان بالله تعالى، أو الكشف عنه، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين(ع) حيث قال: (على الشكِّ وقلّةِ الثقةِ بالله، مَبنَى الحِرصِ والشُّحّ).
ـــ بعض هذه السلبيات يمكنها أن تكون بمثابة جرس الإنذار للكشف المبكر عن الإصابة بمرض الحرص... تماماً كما تكشف الحمى عن وجود التهاب يعاني منه الإنسان دون علمه.
ـــ ومن يراقب نفسه ويجد عنده بعض هذه العلامات، أو من خلال إخوانه وأصدقائه الذين يكشفون له أخطاءه وينبّهونه إلى سلبياته، فعليه المبادرة للمعالجة والتخلص من هذا المرض قبل استفحاله، وبتعبير الإمام محمد الباقر (ع): (مَثَلُ الْحَرِيصِ عَلَى الدُّنْيَا كَمَثَلِ دُودَةِ الْقَزِّ، كُلَّمَا ازْدَادَتْ عَلَى نَفْسِهَا لَفّاً، كَانَ أَبْعَدَ لَهَا مِنَ الْخُرُوجِ، حَتَّى تَمُوتَ غَمّاً).
ـــ بالطبع فإن المسألة ليست سهلة، ومما يكشف عن صعوبة الأمر ما روي عن النبي(ص) حيث قال: (يهرم ابن آدم، وتشبّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر)، وبتعبير القرآن الكريم: (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) [البقرة:96].
ـــ وأما توليفة الطموح والقناعة فتعني أن يبذل الإنسان الجهد المطلوب والمتوازن مع سائر متطلبات الحياة، وأن لا تدفعه النتيجة المترتبة على ذلك إلى فقدان اتزانه الإيماني والأخلاقي والروحي في حالتي النجاح أو الفشل كما صوّرتها الآيات القرآنية في قوله تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) [المعارج:19-21]، فإنْ حقَّقَ النجاح كان شاكراً لله عزوجل على ما أنعم عليه، بكل ما للشكر من معنى على مستوى الإحساس والعمل، وإنْ فشِل عمِلَ على أن يدرس أخطاءه سعياً للأفضل، مستشعراً الطمأنينة النفسية بما قُسِم له في هذه المرحلة.