الصّلاة.. بين الأداء والتأمّل

الصّلاة صيغة عبادية مترابطة الأجزاء والعناصر، ووحدة منهجية تستهدف تربية الإنسان وإعداده لحياة الخير والإستقامة.
فالصلاة حركة روحية ونفسية دائبة للتخلص من وضعية حياتية وضيعة، ولاحتلال مواقع أرقى عن طريق تشكيل الذات وبنائها وفق مستوحيات الصّلاة، وحسب مناخ محيطها، وفي ضوء مداليلها.
والصّلاة وحدة عبادية تأتلف بنيتها من أقوال وحركات منظّمة التكوين والترتيب، متناغمة الأهداف والغايات؛ لتعبّر بمجموعها عن مقاصد النفس وأحاسيسها الروحية والإرادية، فقد جعل لكل جزء في هذا المنهاج العبادي مدلول نفسي، وأثر تكاملي يؤدَّيه بالإضافة إلى غيره من العناصر والأجزاء.
وهذه العناصر والأجزاء إن لم تخضع لوعي حاضر، وتأمّل دقيق، وإحساس عميق، بما تنطوي عليه من مداليل وإيحاءات مستهدفة؛ تستحيل إلى صيغة لفظية جوفاء، وحركات آلية خالية من أي أثر عبادي، أو مردود تكاملي، فتكون كما عبّر عنها الرّسول (ص) بقوله: "نقر كنقر الغراب".
فلكي تؤدي الصلاة إذن غرضها لابد من اكتشاف المعنى، ولابد من التأمل في كل لفظ وحركة يؤديها المصلي؛ بحيث يدرك ما يعنيه بقوله، ويعي ما يعبر عنه بفعله، فهي- أي الأفعال والأقوال- الواسطة في التعبير عن العلاقة بالله والشعور تجاهه، وعن طريق آثارها، وتراكم نتائجها؛ يتم إعادة بناء الشخصية، وإعطاء الحياة معنى جديداً من خلال علاقة الإنسان العبادية بالله، والسعي لمد آفاق الذات، وتأهيلها لتلقي معاني جديدة، تستوحي من صفات المعبود، وتستلهم من منهاج رسله، كالرحمة، والعدل، والتواضع، والعفو، وحب الخير و... إلخ، فتنمو وتتفتح تلك القيم الأخلاقية والروحية في نفس الإنسان لتكون أساساً لتصحيح السلوك، وتوجيه مسيرة الحياة.
وبتكرار الصلاة،وإستبطان معانيها تتكثف هذه التوجيهات السلوكية القيمة، وتتجمع تلك الشحنات الروحية النقية، لتصبح وحدة تغييرية واحدة، تمتد آثارها إلى خارج موقف الصلاة، فتشمل فترات الحياة، ومواقف الإنسان وأعماله كلها.
وبذا تكون الصلاة- إلى جانب كونها واجباً عبادياً- مدرسة إصلاحية للتربية والإعداد الإنساني المستقيم، تصنع من المصلي إنساناً صالحاً يعيش في ساحة الحياة، فيملأها بأنشطة الخير والإحسان، لأن الصلاة صيغة تستوعب بألفاظها وحركاتها، من قراءة ودعاء، وركوع، وسجود، وخشوع، ضراعة، وإحساس، وتوجه، تستوعب كل معاني الإسلام ومقاصده.
فهي إقرار بالتوحيد، وتعبير عن الحمد والشكر وإظهار للخضوع والتسليم، ومحاولة لتطهير النفس وتقويم السلوك، وتنمية لمشاعر الخير والحب للجميع، لترويض الإنسان، ووضعه على طريق الإلتزام والإستقامة.نقلاً عن موقع البلاغ