خطبة الجمعة 8 ربيع الثاني 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: حرص أم طموح؟ القسم الأول


ـــ في السيرة النبوية أنه قدم على النبي (ص) وفد من اليمن (من بني تُجيب من كندة) مكون من ثلاثة عشر رجلاً قد ساقوا معهم صدقاتِ أموالِهم التي فرض الله عليهم، فسُرَّ رسول الله (ص) بهم وأكرم منزلَهم، وقالوا: (يا رسول الله، سقنا إليك حقَّ الله في أموالنا. فقال رسول الله (ص): ردُّوها فاقسِموها على فقرائكم. قالوا: يا رسول الله، ما قدِمنا عليك إلا بما فضَل عن فقرائنا).
ـــ وتضيف الرواية أنهم سألوا النبي مسائل فأجاب وكُتبت.. ثم سألوه في القرآن والسنن فازداد بهم سروراً وأمر بإكرامهم، فأقاموا عدة أيام، ولما أرادوا الرجوع إلى ديارهم جاءوا النبي (ص) يودعونه: (فأرسل إليهم بلالاً فأجازهم بأرفع ما كان يُجيز به الوفود. قال: هل بقي منكم أحد؟ قالوا: نعم. غلام خلّفناه على رحالنا هو أحدثُنا سنّاً. قال: أرسِلوه إلينا).
ـــ فلما جاء سأله النبي عن حاجته فكان فيما قال: (إنَّ حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وإن كانوا قَدِموا راغبين في الإسلام، وساقوا ما ساقوا من صدقاتِهم، وإني والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عزوجل أن يغفرَ لي ويرحمَني، وأن يجعل غِناي في قَلبي. فقال رسول الله (ص)
ـــ وأقبل إلى الغلام ـــ: اللهم اغفر له وارحمه، واجعل غناه في قلبه. ثم أمَر له بمثل ما أمَر به لرجل من أصحابه).
ـــ وجاء الوفد بعد عام وذلك في حَجّة الوداع، فسألهم النبي: (ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟ قالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثله قط، ولا حُدِّثنا بأقنع منه بما رزقه الله، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظرَ نحوها، ولا التفت إليها...).
ـــ وكأنه عاش التطبيق العملي لقوله تعالى: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه:131].
ـــ في النصوص الإسلامية ذم للحرص، من قبيل ما روي عن الصادق(ع): (أصول الكفر ثلاثة: الحرص، والاستكبار، والحسد).
ـــ وفي المقابل فإن الحكمة العلوية تدعو إلى الطموح والإقبال على العمل لعمارة هذه الحياة: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) عمارة بالتنمية العلمية والاقتصادية والعمرانية، وغير ذلك، ولعل من دلالات ذلك أيضاً الحديث المروي عن النبي (ص) أنه قال: (إذا قامت الساعة وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ فليغرسها).
ـــ فما الفاصل بين الحرص والطموح؟ هل بينهما تداخل؟ وكيف يمكن الجمع بين القناعة والطموح؟
ـــ أترك المجال للإخوة والأخوات الأعزاء للتفكير في هذا الموضوع، وستكون لنا إطلالة على الإجابات المتعلقة بهذه الأسئلة المهمة في الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى.