خطبة الجمعة 1 ربيع الثاني 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: طلاق الضرر


ـــ ذكرت في الخطبة الأولى أن الشرع الإسلامي أعطى للزوج القوامة، وأن هذه القوامة تكليف، وأنها تتضمن بعض الصلاحيات، وأن عليه أن يتقي الله في ذلك بعدم إساءة استغلال تلك الصلاحيات، فإن أساء الاستغلال أمكن ردعُه بحكم الشرع أيضاً.
ـــ ومِن صور الرَّدع هنا لجوء الزوجة إلى الحاكم الشرعي لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ومن بينها ما يُعرف بعنوان (طلاق الضرر) أو (الطلاق للضرر)، ومن موارده ما لو كان يؤذيها بالضرب مثلاً.
ـــ تقول المسألة الشرعية: (إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي) وحينذاك على الحاكم الشرعي أن يقوم بالإجراءات وفق الترتيب التالي:
1ـ يُلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف.
2ـ فإن لم ينفع، عزّره، بالسجن ـــ مثلاً ـــ لمدة من الزمن.
3ـ فإن لم ينفع، كان لها المطالبة بالطلاق.
4ـ فإن امتنع من الطلاق، أُجبِر عليه.
5ـ فإن لم ينفع، طلقها الحاكم الشرعي.
ـــ قد يقال: ولم كل هذه الإجراءات؟ لماذا لا يقوم الحاكم الشرعي بتطليقها فوراً؟ والجواب:
ـــ أولاً، آخر الدواء الكي.. وهو الطلاق.. والطلاق ليس غاية، فلربما جاء الإلزام أو التعزير بنتيجة.
ـــ ثانياً، الطلاق من صلاحيات الزوج وقوامته بحكم الشرع، وليس من حق أي أحد أن يتجاوز ذلك ويتخطاه، وعندما يتدخل الحاكم الشرعي ويجبره على الطلاق، أو يقوم هو بهذا الدور، فهو عمل على خلاف الأصل، ولذا لابد أن يتم وفق آليات معينة وحدود خاصة.
ـــ ما موارد الضرر اللاحق بالزوجة بما يسمح للحاكم الشرعي بأن يطلّقها في نهاية المطاف؟
1) الامتناع من الإنفاق عليها، أو عدم القدرة على الإنفاق.
2) الإيذاء والظلم وعدم المعاشرة بالمعروف كما أمر الله تعالى به.
3) الهجر التام بلا عذر كما هو المشهور، أو الهجر الجزئي بحيث لا يلبي الحاجة الغريزية لمثلها
كما هي فتوى السيد فضل الله، حيث اعتبر أن المسألة ليست محددة بالمرة كل أربعة أشهر.
ـــ ومن هنا أيضاً خالف السيد فضل الله فقهاء آخرين، حيث يفتون بأنه في حالة غياب الزوج وفقدانه واختفائه، لن يكون لها حق طلاق الحاكم، فيما لو توفرت لها النفقة، فحاجتها لا تتعلق بالجانب المالي فقط، وبالتالي يصح طلاق الحاكم حينئذ وإن أنفق ولي الزوج الغائب.
ـــ بالطبع كل ما سبق هو الجانب النظري من القضية.. ولكن المشكلة الكبيرة تكمن في الجانب العملي من المسألة، فنحن نعرف أن المراد من الحاكم الشرعي الذي يمتلك مثل هذه الصلاحية هو الفقيه المجتهد الجامع للشرائط، ويمكن لوكيله المجاز في الأمور الحسبية القيام بهذا الدور، وما يجري في قسم الأحوال الشخصية الجعفري عندنا في الكويت في أغلب الأحوال لا يحقق هذا الشرط، لعدم توفر الفقيه الجامع للشرائط فيها، ولا الوكيل المجاز.
ـــ نعم، بلغني أن بعض القضاة يراجعون ــ أحياناً ــ مَن لهم الصلاحية الشرعية، ولكنها حالات قليلة، بالإضافة إلى عدم وجود محكمة تمييز مختصة بالأحوال الجعفرية، بما يعني أننا لو افترضنا
صدور الحكم بما يوافق المعيار الشرعي في الاستئناف، فبإمكان قاضي التمييز (النقض) إبطاله.
ـــ ومن هنا قد تمضي الزوجة المتضررة في الإجراءات القانونية ويطلقها القاضي للضرر، دون أن تستوفي الشرط الشرعي، مما يُبقيها زوجة شرعاً ومطلقة قانوناً.
ـــ وبذا تكون الزوجة هي الخاسر في القضية، حيث ستفقد امتيازات الزوجية قانوناً، وإمكانية الزواج من رجل آخر شرعاً، ولو خالفت ذلك أو جهلته وتزوجت كان زواجاً باطلاً شرعاً.. ولو تحقق الدخول بينهما، حرم الزوج الثاني عليها حرمة مؤبدة.. وهنا الكارثة.
ـــ في بعض الدول العربية والإسلامية هناك محاكم شرعية للأحوال الشخصية معترف بها من قبل الدولة، أما عندنا في الكويت فلا وجود لها. بل حتى قسم الأحوال الشخصية الجعفري في المحكمة غير مكتمل الهوية والتكوين، وغير مستوفٍ للشروط المفترضة، وكاد مجلس الأمة السابق أن يصل إلى نتيجة إيجابية بهذا الخصوص، ولكنه حُل، ولابد الآن من البدء من الصفر مع مجلس أصبحت تركيبته أشد تعقيداً من سابقه.
ـــ إن عدم توفر المحاكم الشرعية المختصة بالأحوال الشخصية الجعفرية والمعترف بها من قبل الدولة، وعدم تكامل قسم الأحوال الشخصية الجعفري في الكويت يستدعي من الأخوات المؤمنات التفقّه وإعمال التقوى، والسعي لحل المشكلات الزوجية القائمة بالتصالح، أو التوافق بين الطرفين، أو فض الخصومة والحصول على الطلاق بالتراضي عبر الوساطات ما أمكن، تجنباً للوقوع في المحاذير الشرعية.. كما وعلى الأزواج في مثل هذه الحالات أن يتقوا الله وأن يتحلوا بكرم الأخلاق، ومحاسن صفات الرجولة والغيرة، بعدم تحويل هذه الموارد إلى وسيلة للابتزاز والمزيد من الإضرار، وإيقاع الزوجة في المحاذير الشرعية الخطيرة جهلاً، أو تحت الضغط النفسي.. وليتذكروا قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، ليكون ذلك سبباً في نيل رحمة الله ومغفرته، وجلْباً للراحة النفسية التي لا تتحقق بالانتقام والدخول في دوامة المحاكم والمخافر، بل بالعفو والتسامح والتسامي على الجراح.