الإمام علي الهادي: الشيخ علي حسن غلوم

قد لا يسعف الزمن الإنسان كي يقدِّم كل ما بوسعه من خير وعطاء، إلا ان عمره القصير قياساً إلى متوسط العمر يكون مباركاً وحافلاً بالمحطات التي يشرق فيها التاريخ بالعمل الصالح والكلمة الطيبة والسمو الروحي.. وهكذا كان الإمام أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام الذي لم يتجاوز عمره 41 سنة حين وفاته.



الولادة المباركة:



ولد الإمام الهادي عليه السلام في قرية صريا التي أسسها جده الإمام موسى الكاظم عليه السلام وتقع بالقرب من المدينة المنورة آنذاك، وكان مولده في الثاني من شهر رجب من عام 212 هـ.

كانت حياة الإمام حافلة بالعطاء العلمي، حتى ذُكر أن الذين رووا عنه علومه بلغوا ما يقارب 185 راوياً، والراوي عادة يمثل موقعاً ثقافياً متقدماً في ذلك الوقت، وليس مجرد ناقل للخبر. هذا علاوة على تصدّيه لمظاهر الانحراف الفكري والسلوكي في الأمة، فصدرت عنه عدة مواقف ورسائل وتصريحات في هذا النطاق نقلها رجال الحديث والتاريخ.



مع ابن حسكة:



مثَّل علي بن حسكة شخصية منحرفة تدّعي الإيمان والارتباط بأهل البيت عليهم السلام، ولاسيما الإمام المعاصر له وهو الهادي، فكانت للإمام عدة مواقف منه تدرّجت وفق تطوّر الأحداث، وهو ما نتابعه من خلال النصوص التالية:

روى الكشي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: (كتبت إليه عليه السلام في قوم يتكلمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك، فيها ما تشمئز منها القلوب، ولا يجوز لنا ردّها، إذ كانوا يروون عن آبائك عليهم السلام، ولا قبولها، لما فيها، وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنهم من مواليك، وهو رجل يقال له علي بن حسكة، وآخر يقال له القاسم اليقطيني.ومن أقاويلهم إنهم يقولون إن قول الله تعالى: ?إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ? معناها رجل، لا سجود ولا ركوع، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي فأوَّلوها وصيَّروها على هذا الحد الذي ذكرت لك.فإن رأيت أن تبين لنا وأن تمن على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من هذه الأقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك؟ فكتب عليه السلام: (ليس هذا ديننا فاعتزله).



الموقف الثاني:



وروى الكشي أيضاً بالإسناد عن محمد بن عيسى قال: (كتب إليَّ أبو الحسن العسكري ابتداء منه: لعن الله القاسم اليقطيني، ولعن الله علي بن حسكة...).



الموقف الثالث:



وروى بالإسناد عن سهل بن زياد الآدمي، قال: (كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكري: جعلت فداك يا سيدي، إن علي بن حسكة يدّعي أنه من أوليائك وأنك أنت الأول القديم، وأنه بابك ونبيك، أمرته أن يدعو إلى ذلك، ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك، ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعي من البابية والنبوة، فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة والصوم والحج، وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذلك كله ما ثبت لك، ومال الناس إليه كثيراً، فإن رأيت أن تمن على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة.قال: فكتب عليه السلام: كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، وبحسبك أني لا أعرفه في موالي، ما له لعنة الله، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنيفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية، وما دعا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا إلى الله وحده لا شريك له، وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله لا نشرك به شيئاً، إن أطعناه رحمنا، وإن عصيناه عُذِّبنا، ما لنا على الله من حجة، بل الحجة لله علينا وعلى جميع خلقه، أبرأ إلى الله ممن يقول ذلك، وأنتفي إلى الله من هذا القول، فاهجروهم لعنهم الله، وألجئوهم إلى ضيّق الطريق، فإن وجدت أحداً منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر).



التحصين العقائدي:



ولم تكن مواقف الإمام عليه السلام تقتصر على مواجهة الأفراد، بل شمل التحصين العقائدي الذي مارسه في تبيان وشرح وتعميق المفاهيم العقائدية بشكل خاص والدينية بشكل عام، والنصوص التي أثِرَت عن الإمام حول الرؤية والجبر والاختيار والتفويض والرد على الشبهات المثارة حول آيات القرآن الكريم تفيد تصدّي الإمام لهذا الدور المهم والحساس في الساحة الإسلامية.



مهابة ملأت القلوب:



لقد ملأ الإمام الهادي عليه السلام بأخلاقه العالية، وورعه وقواه وزهده، ونسبه الوضّاح، القلوب مهابةً واحتراماً، وهو ما نلحظه في مواقف عديدة، منها ما رواه محمد بن الحسن بن الأشتر العلوي قال: (كنت مع أبي بباب المتوكل، وأنا صبي في جمع الناس ما بين طالبي إلى عباسي إلى جندي إلى غير ذلك، وكان إذا جاء أبو الحسن ترجَّل الناس كلهم حتى يدخل. فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام؟ وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا بأسنِّنا ولا بأعلمنا؟ فقالوا: واللـه لا ترجلنا له. فقال لهم أبو هاشم: والله لترجلن له صَغاراً وذلة إذا رأيتموه، فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به فترجّل له الناس كلهم، فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له؟ فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا).





تاريخ النشر 20/06/2009

الوطن الكويتية