لماذا ألحدتَ ؟! مقال للشيخ علي حسن غلوم

شاب خليجي عرّف نفسه في إحدى منتديات الإنترنت على أنه ملحد، وأخذ يشرح بإسهاب قصته التي من خلالها كفر بكل شئ.. إلا بالعقل ـ كما يقول ـ ، فقد عاش في طفولته التناقض بين معتقده المذهبي الذي أخذه عن أسرته، والمعتقد الذي تطرحه كتب التربية الإسلامية في بلده.. وإذا طرح فكرة أخذها عن المدرسة عنّفه أهله بشدة، وعندما يعرف التلاميذ والمعلمون عن انتمائه المذهبي يواجهونه بالسخرية والنظرات المريبة (وكأن الله قد لعنني إلى أبد الآبدين لا مفر من هذا الشعور اللعين) هكذا قال.
وأضاف: (بدأ أهلي تعليمي الصلاة في سن التاسعة أو العاشرة تقريباً، وقبلها كانوا يأمروني بها فقط، ولكن بهذه السن بدأ تعنيفي وتهديدي وتخويفي وترعيبي بالنار والعذاب كي أصلي، فبدأت من شدة الخوف أصلي.. وهكذا عشت مؤمناً عادياً حتى وصلت المرحلة الجامعية في هذه الفترة انفجر التناقض داخلي: كيف أصلي وأستمع للغناء؟ كيف أصلي وأشاهد الأفلام؟ كيف أصلي وأقلد الغرب في الملبس؟ كيف أصلي.. وكيف وكيف؟).
رحلة لاكتشاف الحقيقة:
ثم يشرح هذا الشاب كيف بدأ رحلة البحث عن الحقيقة بالتهام الكتب الدينية التهاماً (وأشك شخصياً في ذلك لأن الأخطاء الكتابية واللغوية والنحوية فيما كتب من تفاصيل قصته لا تدل على أنه طالع هذا الكم الهائل) وكيف غدا أتعس إنسان عرفه التاريخ لأنه شاهد التناقضات في سلوك المتدينين، ولأنه دعا الله فلم يجد استجابة، فأخذ يتساءل: (ما هذا التناقض؟! فكرت: هل الله خلق الإنسان ليتعذب سواء بالحياة أو بعد الممات؟ ولماذا؟ ولماذا يخلقني بجسد له احتياجاته ثم يمنع عني هذه الاحتياجات؟ ما هذا؟ بدأت أفسر معنى الحياة بنفسي، وبعد أن عجزت وعجز الدين توجهت للفلسفة والتهمت الكتب التهاماً).
وهكذا يبسط القول في ما توصل إليه من خلال الفلسفة، التي حرّكت عقله (الذي كان مجرد علبة صدئة ومجمع نفايات!!) ولكنه لم يجد معنى للحياة.. فألحد وشعر بالحرية المطلقة!!
نموذج متكرر:
هذا نموذج متكرر لبعض الشباب في طريقة التعاطي مع الواقع، وفي نمطية تفكيرهم وتساؤلاتهم حول الدين والخالق والعقاب والثواب، ومن ثم اللجوء إلى الإلحاد أملاً في الخروج من هذه الدوامة.. فهل يشكل الإلحاد ظاهرة بين الشباب الكويتي؟
قد يدعي البعض ذلك مشفعين ادعاءهم بأن كثيراً من هؤلاء الشباب يخشون المجتمع فلا يظهرون حقيقة معتقدهم.. إلا أنه بالعودة إلى التعريف العلمي للظاهرة (كل ضرب من السلوك ثابت أو غير ثابت يعم المجتمع بأسره ويكون ذا وجود مستقل عن الصور التي يتشكل بها في الحالات الفردية) وللإلحاد (إنكار وجود خالق أعظم أو أية قوة إلهية ـ بمفهوم الديانات السائدة ـ لا يمكن إدراكه بحواس الإنسان) يمكن القول بصورة جازمة أن المسألة موجودة ولكنها لا ترقى إلى مستوى الظاهرة.. كما أنها ليست بالأمر الجديد في مجتمعنا، فالمسألة تعود إلى عدة عقود مضت، ولكنها أخذت منحى جديداً مع التطور المعلوماتي.
أسباب الحالة:
1ـ اتساع وسهولة التواصل مع مواقع تعمل على التشكيك في الدين ونشر الإلحاد، الأمر الذي يستدعي المتابعة الدائمة من قبل الأسرة بالحوار المتبادل مع أبنائهم في محاولة لاكتشاف تأثير الإنترنت عليهم من الناحية الفكرية والعقائدية، ومن ثم السعي لحل الإشكالات التي قد يطرحها الأبناء، أو اللجوء لمتخصصين يمكنهم المساهمة في ذلك.
2ـ الطرح غير العلمي في بعض الخطابات الدينية، فهل يعقل أن يعرض منهج للتربية الإسلامية مرض الصرع كأحد أعراض المس الشيطاني، في الوقت الذي يمكن فيه لأي شاب أن يدخل المواقع العلمية ويكتشف أن المرض له مسبباته المعروفة والتي ترتبط بالدماغ وكيميائيته وما إلى ذلك؟! أو أن يصر بعض المشايخ على تسطيح الأرض وإنكار كرويتها، وتكذيب إمكانية غزو الفضاء... إلخ القائمة!!
إن التعارض بين ما يطرح في الخطاب الديني وبين ما يتوصل إليه العلم على نحو الجزم واليقين يزرع الشك في قلوب الشباب، لاسيما مع تكاسل بعض المشايخ عن المطالعة، واعتمادهم على قراءات قديمة، ومن دون بذل أي مجهود للبحث عن سند علمي أو منطقي لما يطرحون.. علماً بأنه لا يمكن أن يقع التعارض بين الدين والعلم وبين الدين والعقل.. وما يُتصور أنه تعارض قد يعود إلى كون النص الديني غير ثابت، أو يحتاج إلى إعادة فهم، أو إلى كون المسألة العلمية في حد النظرية ولم تبلغ مرتبة اليقين، أو أن بعضاً من مقدمات الحكم العقلي خاطئة.
3ـ الانتقام أو الثأر للنفس والتعطش لأي شكل من أشكال الحرية والتمرد على المجتمع أو الواقع الذي يعيشه الشاب نتيجة تجارب مرة في البيئة التي عاش فيها طفولته وشبابه.
4ـ الميل إلى الانحلال الأخلاقي، فيأتي الإلحاد كمبرر لإراحة النفس من اللوم المستمر الذي يتخوف الشاب أن يعاني منه نتيجة الازدواجية بين التدين وارتكاب المعصية. وقد تكون الحالة معكوسة، فإن الإسراف في المعاصي قد يؤدي إلى فساد العقيدة.
5ـ الاصطدام مع واقع الجماعات الإسلامية أو الأفراد المتدينين المزدوجي الشخصية أو المتطرفين فكرياً وسلوكياً، أو الذين يفيضون صفة القيمومة والقداسة على ما ليس بقيِّم ولا بمقدس إسلامياً.
6ـ ردة فعل لأزمات عديدة وحادة في حيات الشاب، لا تنفرج ولا يُستجاب فيها الدعاء.
7ـ التباهي بالعصرنة.
العلاج:
أهم خطوة نحو معالجة هذه المشكلة هي معالجة أسبابها، وبالتالي هي مسئولية متعددة الأطراف تشترك فيها الأسرة والمؤسسات الدينية والرسمية والإعلامية والتربوية.

تم نشر المقال في صحيفة الوطن الكويتية بتاريخ 11 إبريل 2009 صفحة منتقى الجمان