ماهو التاريخ المحدد لظهور مبدأ التقليد لدى الشيعة الامامية، وما هو الدليل العقلي والنقلي على ذلك؟

قال العلامة المُحقق الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي ( حفظه الله ) في كتابه التقليد : . . . ان التقليد الشرعي هو التقليد العرفي المتمثل برجوع غير العالم إلى العالم ، مع فارق أن التقليد الشرعي يلتمس فيه الحجة لما يترتب عليها من تنجيز وتعذير .
واعني بهذا أن العامي عندما يثبت لديه أن هذا الفقيه العالم بالأحكام الشرعية قد توفرت فيه الشروط التي تصحح الرجوع إليه واخذ الأحكام الشرعية منه ، وان فتواه حجة تنجز التكليف في حقه ، أي تجعله جاهز للامتثال ، وتعطيه المجال للاعتذار أمام اللّه تعالى عند عدم إصابة الفتوى للواقع المطلوب ، فانه يرجع إليه وبتاثير من هذه المشروعية التي آمن بها .
وجاء هذا لان التقليد العرفي ظاهرة بشرية عامة قامت عليها سيرة الناس (سيرة العقلاء) في جميع شؤونهم الحياتية ، حيث يرجع غير العالم في كل مجال من مجالات الحياة الى العالم .
وجاء المشرع الاسلامي ، واقر هذه الظاهرة في مجال الامتثالات الشرعية فانبثق منها مظهر من مظاهر سيرة المتشرعة (المسلمين) حيث يرجع العامي الى المجتهد .
وتاريخ المسلمين المتشرعين (وهم المسلمون الملتزمون بالتشريع الاسلامي) أقوى شاهد على ذلك .
فقد بدا التقليد الشرعي ، بوصفه ظاهرة شرعية اجتماعية ، في عهد رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) ، وبتخطيط منه ( صلى الله عليه و آله ) ثم بتطبيقه من قبل المسلمين بمرأى ومسمع منه ( صلى الله عليه و آله ) وتحت إشرافه و بإرشاده .
وتمثل هذا في الأشخاص الذين كان ينتدبهم ( صلى الله عليه و آله ) للقيام بمهمة تعليم الأحكام الشرعية في البلدان و الأماكن التي اسلم أهلها في عصره .
ومن هذا بَعْثِه ( صلى الله عليه و آله ) مصعب‏ بن عمير إلى المدينة المنورة ، و معاذبن جبل إلى اليمن .
فقد كان المسلمون ، في هذه ألاماكن النائية عن مقر النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، يتعلمون الأحكام من هؤلاء الصحابة المنتدبين لهم و المبعوثين إليهم ، ويعملون وفق ما يتعلمون منهم .
وكانوا ( اعني المسلمين ) عندما يحتاجون إلى معرفة حكم شرعي للعمل به يسالون هؤلاء و يجيبونهم و يعملون وفق ما يفتونهم به .
و هذا هو عين التقليد المقصود هنا .
في إجابة السؤال التالي : " متى وجب التقليد على المسلمين ؟ "
و هل كان المسلمون ، أيام الأئمة ، مقلدين خصوصا أولئك الذين
كانوا في مناطق بعيدة عن الأئمة ؟ .
قال أستاذنا السيد الخوئي : " التقليد كان موجودا في زمان الرسول ( صلى الله عليه و آله ) وزمان الأئمة لان معنى التقليد هو اخذ الجاهل بفهم العالم ، ومن الواضح أن كل احد في ذلك الزمان لم يتمكن من الوصول إلى ‏الرسول الأكرم أو احد الأئمة و اخذ معالم دينه منه مباشرة ، واللّه العالم‏ " .
كانت هذه هي البداية الأولى لنشوء ظاهرة التقليد الشرعي ، والمظهر الأول لانبثاق سيرة المتشرعة في هذا المجال‏ من أحضان سيرة العقلاء .
ثم استمر التقليد يتبلور مفهومه بتبلور مفهوم الاجتهاد ممثلين لهذه السيرة المتشرعية التي أشرت اليها .
يقول شيخ الطائفة ابو جعفر محمدبن الحسن الطوسي في كتابه " عدة الأصول‏ " : " اني وجدت عامة الطائفة ( يعني الإمامية ) من عهد أمير المؤمنين إلى زماننا هذا ( القرن الخامس الهجري ) يرجعون إلى علمائها و يستفتونهم في الأحكام و العبادات ، و يفتيهم العلماء فيها ، و يسوغون لهم العمل بما يفتون به‏ " .
و ما سمعنا أحدا منهم قال لمستفتٍ : لا يجوز لك الاستفتاء ، و لا العمل به ، بل ينبغي أن تنظر كما نظرت ، و تعلم كما علمت ، و لا
أنكر عليه العمل بما يفتونهم .
وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمة ، و لم يحك عن واحد من الأئمة النكير على هؤلاء ، و لا إيجاب القول بخلافه ، بل كانوا يصوبونهم في ذلك ، فمن خالف في ذلك كان مخالفا لما هو المعلوم خلافه .