خطبة الجمعة 20 محرم 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: نشوز الزوج والزوجة


ـ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء:128]
ـ في اللغة كلمة نشز تعني: (خرَج عن المعتاد) ولذا يقال: (أرضٌ نَشَز) أي بها نتوء وارتفاع، لخروجها عن طبيعة الأرض من حولها. فإذاً عندما نتحدث عن النشوز في إطار العلاقة الزوجية فهذا يعني أن هناك خروجاً عن المعتاد والوضع الطبيعي في العلاقة بينهما.
ـ البعض يتصور أن الأمر يخص الزوجة، وأن المرأة فقط يمكن أن تكون ناشزاً، بينما الآية السابقة تبين خلاف ذلك.
ـ فالزوج الذي لا يفي بحق زوجته في حاجتها الجسدية بلا عذر كالمرض والسفر، يعد ناشزاً، وإن أنفق عليها.. كما أن الزوجة تعتبر ناشزاً عندما تمنعه حقه الجسدي بلا عذر.
ـ وفي الحالتين لابد من معالجة وفق خطوات.
ـ أهم خطوة هنا أن نعرف السبب وراء هذا النشوز ونعالج هذا الخلل.. المسألة ليست مسألة قوانين وأوامر.. بل أن نحاول إعادة العلاقة إلى الوضع الطبيعي كما ينبغي أن تكون عليه.
ـ أما في حالة الفشل أو عدم وجود من يستطيع القيام بهذا الدور، فننتقل إلى آليات التعامل الفقهي:
ـ في حالة نشوز الزوج:
1) تسلك الزوجة سبيل الأخلاق الفاضلة صبراً ومداراة وتودداً، لعلها تستطيع أن تكسب قلبه.
ـ عن إسحاق الجعفي قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن رسول الله (ص) دخل بيت أم سلمة فشم ريحاً طيبة فقال: أتتكم الحولاء؟ فقالت: هو ذا هي تشكو زوجها، فخرَجَت عليه الحولاء، فقالت: بأبي أنت وأمي، إن زوجي عني معرض، فقال: زيديه يا حولاء، قالت: ما أترك شيئاً طيّباً مما أتطيب له به، وهو عني معرض. فقال: أما لو يدري ما له بإقباله عليك؟ قالت: وماله بإقباله علي؟ فقال: أما إنه إذا أقبل، اكتنفه ملَكان، فكان كالشاهر سيفَه في سبيل الله، فإذا هو جامع، تحات عنه الذنوب كما يتحات ورق الشجر، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب).
ـ وقد تعجّب إسحاق بن عمار من ترتب الثواب على ذلك، فكان في ضمن تساؤله للإمام الصادق (ع) أن قال: (قلت: فإنه يروى عن النبي (ص) أن أبا ذر (رحمه الله) سأله عن هذا فقال: ائت أهلك توجر، فقال: يا رسول الله آتيهم وأوجر؟ فقال رسول الله (ص): كما أنك إذا أتيت الحرام أُزرت، فكذلك إذا أتيت الحلال أوجرت، فقال أبو عبد الله (ع): ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أوجِر؟). فالمسألة أن الثواب مترتب بلحاظ حفظ نفسه وزوجته عن الوقوع في الحرام.
ـ وعلى كل حال، فإن العفو والتسامح من أنجع أساليب إصلاح ذات البين، حتى لو لم يكن المتسامح مخطئاً من الأساس.
ـ قال تعالى وهو خالق النفوس البشرية والأعلم بما يصلحها: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[فصلت:34].
ـ الآن لو افترضنا أنها دفعت له مالاً كي يقوم بما تَرك مِن حقها، حرُم عليه أخذه.
2) نشوز الزوج معصية، ولذا فعليها أن تنهاه عن المنكر وتأمره بالمعروف بالأسلوب الأنسب.
3) ترفع أمرها للحاكم الشرعي وتشكوه له، وعلى الحاكم أن يتخذ الإجراءات وفق الترتيب التالي:
1ـ استدعاء الزوج وأمره بأن يؤدي للزوجة حقها.
2ـ إن لم يمتثل، فالزوجة بين أمرين، إما الصبر، وإما طلب الطلاق.
3ـ إن طلبت الطلاق، وطلقها، كان خيراً، وإلا أجبره الحاكم، فإن أبى، طلقها الحاكم.
ـ ولو افترضنا أن الزوج كان يؤذي زوجتَه ضرباً وشتماً، فبذلت له مالاً كي يكف عن ذلك، حَــرُم عليه أخذه، ويجوز لها أن تشكوه للحاكم الشرعي ليأمره بحسن المعاشرة، فإن لم يرتدع يوقِع عليه عقوبات تحت عنوان (التعزير) كالحبس مثلاً.
ـ عن النبي(ص): (ومن أضرَّ بامرأة حتى تفتدي منه نفسَها، لم يرضَ اللهُ له بعقوبةٍ دون النار، لأن اللهَ يغضبُ للمرأة كما يغضب لليتيم). وعنه (ص): (أخبرني أخي جبرئيل ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها أف!... أخذتموهن على أمانات الله).
ـ أما في حالة نشوز الزوجة فتتمثل لنا الآية التالية: (وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34]. وبيان ذلك كالتالي:
1) يسلك سبيل الأخلاق الفاضلة صبراً ومداراة وتودداً لعله يستطيع أن يكسب قلبها ويعالج تمردها.
ـ وما ذكرناه بخصوص العفو والتسامح عند نشوز الزوج يجري هنا أيضاً، وليعلم الرجل أن تسامحه وعفوه لن يُنقص من هيبته ورجولته شيئاً، بل هو رفعة له، وقد روي عن النبي الأكرم (ص) قوله: (إن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً، فاعفوا يعزكم الله).
ـ لا أنكر أن التمادي في التسامح يكون في بعض الحالات تشجيعاً على التمرد، ولكن لابد من تقييم الأمر بحسب المعطيات، والعمل وفقها بصدق وإنصاف.
2) نشوز الزوجة معصية، ولذا فعليه أن ينهاها عن المنكر ويأمرها بالمعروف بالأسلوب الأنسب، ولو بالاستعانة بالغير ممن يملك المعرفة الشرعية والأسلوب الأنسب.
3) في حالة اليأس مما سبق فيمكنه أن يهجرها، بأن ينام في غرفة مختلفة، أو يدير لها ظهره فلا يعبأ بها، كنوع من الضغط النفسي لردع تمردها.
4) اللجوء إلى الضرب كما جاء في الآية القرآنية، وهو خيار غير لازم، بل إن شاء لجأ إليه، وإن شاء عزف عنه. وإذا أراد اللجوء عليه فيجب عليه أن يراعي الأمور التالية:
1ـ أن يكون ذلك بعد الخطوات السابقة وظهور إصرارها على التمرد.
2ـ أن يأمل تأثرها بهذا الضرب، وإلا لم يجز ضربها.
3ـ أن يكون ضربها بقصد إصلاحها لا بقصد التشفي والانتقام.
4ـ الاقتصار على أقل مقدار من الضرب يحتمل معه التأثير، وحدُّه الأعلى أن يكون غير موجب لاحمرار الجلد واسوداده، ولا يجوز اللجوء إلى الأشد مع حصول الغرض بالأقل منه. ولو زاد فاحمر الجلد أو اسود أثم وضمن الدية.
ـ وفي تفسير القمي عن الباقر (ع): (أنه الضرب بالسواك). وفي كلمات فقهاء المسلمين مثّلوا بالضرب بالمنديل.
ـ وأما من يحوّل الحكم في الآية إلى مبرر للضرب بما يتجاوز الحد، أو بغير نشوز وفق الخطوات التي ذكرناها، فليستمع إلى هذه النصوص:
ـ روي عن رسول الله (ص) أنه قال: (أي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالكاً خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم).
ـ وعنه (ص): (أيضرب أحدُكم المرأة ثم يظل معانقها)؟
ـ وعنه (ص): (إني أتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها، لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فيه القصاص).
5) منعها من النفقة بسبب النشوز.
ـ لقد أفاض الله سبحانه وتعالى على العلاقة الزوجية المودة والرحمة والسكينة، وزيّنها بآداب المعاشرة وأخلاقيات الحياة المشتركة.. كما شرّع لها من الأحكام ما يحفظ لكل زوج وزوجة حقوقهما، إلا أن هذا لا يعني أن يقنِّن الزوجان العلاقة الزوجية، لأن هذه الحقوق والواجبات المذكورة في الكتب الفقهية تمثّل الحد الأدنى في العلاقة بين الطرفين، والله لا يريد لهذه العلاقة المقدسة أن تكون في حدودها الدنيا، بل أراد لها أن تكون علاقة تمازج روحي، يشعر من خلالها الزوجُ أن زوجتَه جزءٌ من كينونتِه وكرامتِه، وتشعر معها الزوجةُ أن زوجَها جزءٌ من كينونتِها وكرامتِها، ومن خلال ذلك يعملان على بناء حياة مشتركة ملؤها المودةَ والرحمةَ والسكينة، كما قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا).