هل أغضب عليٌّ فاطمةَ ؟ الشيخ علي حسن غلوم


روى الإمام مسلم في صحيحه أن علي بن الحسين قال: (أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية, مقتلَ الحسين بن علي رضي الله عنهما, لقيه المسور بن مخرمة, فقال له: هل لك إليَّ مِن حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا. قال له: هل أنتَ معطيَّ سيفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإني أخاف أن يغلبَك القومُ عليه. وأيمُ الله لئن أعطيتنيه لا يُخلص إليه أبداً, حتى يبلغ نفسي. إنّ علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة, فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا, وأنا يومئذ محتلم, فقال: إن فاطمة مني, وإني أتخوف أن تُفتَن في دينها.
قال: ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس, فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسَن. قال: حدّثني فصدقني, ووعدني فأوفى لي, وإني لستُ أحرِّم حلالاً ولا أحلّ حراماً, ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً).
وقد رُوي خبر خطبة علي عليه السلام لابنة أبي جهل في الصحاح (البخاري ـ مسلم ـ ابن ماجة ـ أبوداود ـ النسائي) عن المسور بن مخرمة بألفاظ مختلفة, بينما رواه الترمذي في سننه أيضاً عن عبد الله بن الزبير.
ولاحظ العلماء على هذا الخبر عدة أمور, من بينها: أن أصحاب الصحاح لم يرووه إلا عن المسور وابن الزبير, وكلاهما كانا في سن الطفولة آنذاك, فقد توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وابن الزبير في سن التاسعة, بينما ابن مخرمة في سن الثامنة, ولذا قال ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب) معلقاً على ما ورد في الخبر أن المسور كان آنذاك (محتلماً) أي بالغاً [وهو مُشكل المأخذ, لأن المؤرخين لم يختلفوا أن مولده كان بعد الهجرة, وقصة خطبة علي كانت بعد مولد المسور بنحو من ست سنين أو سبع سنين, فكيف يسمى محتلماً؟]. ثم أين كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه القضية؟ ولماذا لم تُروَ عنهم؟
ثانياً: لماذا ينزعج النبي من جمع علي ـ افتراضاً ـ بين ابنة رسول الله وبين ابنة عدو الله, بينما جمع هو صلى الله عليه وآله وسلم بين السيدة عائشة بنت أبي بكر وبين أم حبيبة بنت أبي سفيان, في الوقت الذي كان فيه أبو سفيان يتزعم كفار مكة؟ وهل تغلبت العاطفة على رسول الله حتى يتخلى ـ والعياذ بالله ـ عن تعاليم ربه الذي أدّبه بقوله [ولاتزر وازرة وزر أخرى] ؟
ثالثاً: لاحظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري) وهو شرح على صحيح البخاري, أن في النص أمراً عجيباً, قال: (ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين حتى قال إنه لو أودع عنده السيف لا يمكّن أحداً منه حتى تزهق روحه رعايةً لكونه ابنُ ابنِ فاطمة, محتجاً بحديث الباب, ولم يُراع خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على عليّ بن الحسين لما فيه من إيهام غض من جده علي بن أبي طالب, حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضى أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من الإنكار ماوقع؟). أي هل يُعقل أن يحاول المسور إرضاء علي بن الحسين والتقرب إليه من خلال الطعن في جده علي بن أبي طالب؟
ثم لم يُخفِ ابن حجر تعجبه أيضاً من تقاعس المسور عن نصرة الحسين ابن فاطمة, فقال (بل أتعجب من المسور تعجباً آخر أبلغ من ذلك, وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعايةً لخاطر ولد ابنِ فاطمة, وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه, أعني الحسين والد عليّ).
ختاماً أقول: مع كل التقدير لما في الصحاح من علم حفظ لنا إرث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, إلا أن هذه القضية تحتاج إلى إعادة دراسة وتدقيق من قبل العلماء والمحققين لما تشوبها من ملاحظات عديدة تجعلها محل استفهام واستغراب.