خطبة الجمعة 6 محرم 1438: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: من تاريخ المنبر الحسيني


(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء)[إبراهيم:24-27]
ـ كان المنبر الحسيني طوال قرون مضت مقتصراً على ذكر جوانب من الحدث التاريخي العاشورائي، ممزوجاً بأبيات شعرية حزينة تثير العاطفة الجياشة، وتبعث الأمل في النفوس لقدوم ذلك اليوم الذي يظهر فيه الإمام المهدي (ع) ليُحق الحق بأمر الله (سبحانه).
ـ وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ظهرت نقلة نوعية في المنبر الحسيني، حيث كان الشيخ الأديب كاظم السبتي (ت1920) وبعد أن يرثي الحسين (ع) والشهداء بقصيدة ـ يقوم بقراءة نص منتخب من خطب الإمام أمير المؤمنين (ع) ـ وكان يحفظ نهج البلاغة عن ظهر قلب ـ ثم يشرح ما فيه من مفاهيم وقيم، مؤيداً ذلك بالآيات والأحاديث والأبيات الشعرية.
ـ وبرز معه في السنين الأخيرة من عمره الخطيب السيد صالح الحلي (ت1939)، وكان فقيهاً ومجاهداً وأديباً ومحيطاً بالتاريخ، وعمل في منبره على تطوير الخطابة الحسينية معتمداً على قدراته الأدبية والتاريخية.
ـ ومن بعده سطع نجم الشيخ محمد علي اليعقوبي (ت1965) الذي انتقل إلى بغداد وبقي فيها عشر سنوات بإلحاح من الجماهير التي انجذبت إلى خطابه الحسيني المتميز، من خلال ما قدمه لهم من مواعظ ومفاهيم أخلاقية وتربوية وعقدية.
ـ ثم جاء الشيخ د. أحمد الوائلي، الذي غدا علَماً يشار إليه بالبنان، وتحوّل إلى مدرسة لخطباء المنبر الحسيني، لاسيما وأنه بدأ تحمل هذه المسؤولية أيام المواجهة الحادة مع المد الشيوعي والرأسمالي وانحسار التيار الإسلامي.
ـ فجعل منبره منبر وعي ودفاع عن الإسلام ونشر للثقافة الدينية دون أن يبخس الجانب الأدبي حقه، ومن غير أن يتجاوز تقاليد المنبر الحسيني، ولذا استحق بجدارة لقب عميد المنبر الحسيني.
ـ وعلى الرغم من التغيرات الإيجابية الكبيرة التالية في:
1ـ ظروف بعض (المجتمعات الشيعية) سياسياً.
2ـ هامش الحرية المتاحة لهم.
3ـ الانفتاح العلمي والمعلوماتي الهائل الذي يشهده العالم ككل، وتوافر المصادر والمكتبات العامة.
4ـ النشاط المحموم لحركة الطباعة والتأليف وإنشاء الجامعات والمعاهد.
ـ إلا أننا نشهد في السنوات الأخيرة تردّياً واضحاً في مستوى المنبر الحسيني ـ فضلاً عن تطويره ـ وضعفاً في الأداء، وتخلفاً عن مواكبة التحديات الفكرية والأخلاقية والتربوية والثقافية لمجتمعاتنا.
ـ وهذا التردّي يوازيه أيضاً التردّي في المزاج العام لجمهور هذا المنبر.
ـ وقد جاء في بيان مكتب سماحة السيد السيستاني بعنوان: (توصيات عامّة من المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلّغين في شهر المحرّم الحرام لعام 1438 هـ) في البندين الثالث والرابع منه ما قد يؤيد ذلك إذ طالب بـ : (تحري الدقة في ذكر الآيات القرآنية أو نقل الروايات الشريفة من الكتب المعتبرة أو حكاية القصص التاريخية الثابتة، حيث أن عدم التدقيق في مصادر الروايات أو القصص المطروحة يفقد الثقة بمكانة المنبر الحسيني في أذهان المستمعين) وفي البند الرابع منه: (أن يترفّع المنبر عن الاستعانة بالأحلام وبالقصص الخيالية التي تسيء إلى سمعة المنبر الحسيني، وتظهره أنه وسيلة إعلامية هزيلة، لا تنسجم ولا تتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين).
وأعتقد أن المشكلة أكبر من مجرد عدم تحري الدقة والاستعانة بالأحلام.. وهو ما سيتبين بإذن الله عند حديثي في الخطبة الثانية عن أسباب هذا التردي المشهود في خطاب المنبر الحسيني الناطق باللغة العربية.