خطبة الجمعة 28 ذوالحجة 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: من آداب استعمال الطريق


ـ من المعلوم أن اهتمام الشريعة الإسلامية لم يقتصر على الجانب العبادي من حياة الناس، بل شمـل أيضاً ما له علاقة بتنظيم شؤون حياتهم اليومية، تارة بعناوين إلزامية تشريعية، وتارة أخرى بعناوين أخلاقية مستحبة.
ـ ومن بين هذه التشريعات والآداب ما له علاقة بشؤون الطرق والشوارع والأزقة.
ـ وبين أيدينا مشهدان يمكن أن يقدّما لنا نموذجين من تلك التشريعات والآداب.
1ـ في تاريخ دمشق لابن عساكر عن الإمام الرضا عن أبيه عن جده عن الصادق (ع) قال: (كان علي بن الحسين إذا سار على بغلته في سكك المدينة، لم يقل لأحد "الطريق") هذه كانت وسيلة التنبيه آنذاك كما يشهدها اليوم الحجاج في الطواف والسعي وفي الطريق إلى المشاعر (وكان يقول: الطريق مشترك. ليس لي أن أُخلِي) وفي نص آخر [أنحّي] (أحداً عن الطريق).
ـ قارن بين هذه الصورة وبين ما يفعله البعض وهو يقود سيارته بمنطق: (يا أرض اهتزّي، ما عليكِ قدّي).. وكأنه مالك الطريق.. إزعاج واحتقار لسائر مستعملي الطريق.. ويصل الأمر أحياناً إلى تعريض الآخرين للحوادث بسبب الرعونة والاستهتار الناتجين عن الشعور بالانتفاخ لامتلاك سيارة متميزة، أو قدرة على المناورة أثناء القيادة، أو استخفافاً بالقوانين المرورية، وأمثال ذلك.
2ـ في كتاب (الخرائج والجرائح) للراوندي أن بعض ثقيف ممن استوطنوا الكوفة أقاموا مجالس لهم على الطريق، مزاحمين بذلك حركة مرور الناس، كما أنهم لم يلتزموا ببعض الإجراءات الصحية العامة، فقد تحوّل بعض الطريق أمام بيوتهم إلى مجمع للمياه الآسنة بسبب مد ميازيب بيوتهم إلى الطريق، وحفر البواليع المكشوفة أمام البيوت.
ـ وصادف أن مرّ الإمام علي (ع) بهذا المكان، فوجّه إليه بعض شبابهم كلمات مسيئة، فبادر بعض شيوخهم إلى الاعتذار منه، فاستفاد الإمام من هذا الظرف بما يخدم عامة الناس، حيث قال: (لا أعفو عنكم إلاّ على أن أرجع وقد هدمتم هذه المجالس، وسددتم كل كوة، وقلعتم كل ميزاب، وطمستم كل بالوعة على الطريق، فإنّ هذا كلَّه في طريق المسلمين، وفيه أذى لهم).
ـ وقد روى الشيخ الصدوق عن النبي (ص) لعْن ساد الطريق، وأنه: (من سدَّ طريقاً بتر الله عمره).
ـ وفي (توحيد) الشيخ الصدوق عن الإمام زين العابدين(ع) في بيان الذنوب التي تعجّل الفناء أن (سدَّ طريق المسلمين) واحدة منها.
ـ وللأسف فإننا بعيدون كل البعد عن مثل هذه التعاليم والوصايا المتعلقة بآداب استعمال الطرق، وبقدر ما نوسوس في كيفية غسل اليد في الوضوء، وفي نُطق تكبيرة الإحرام بالطريقة الصحيحة فإننا لا نبالي تجاه التشريعات التي تنظّم علاقة الناس ببعضهم البعض، إذ لا مانع عندنا أن نغلق الطريق بسياراتنا على منفذ سيارة الإسعاف ـ مثلاً ـ من أجل أن نمشي مسافة أقصر إلى المسجد.. ولا نمانع أن نستغل مواقف جيران الحسينية ونسد الطريق أمام حركة تنقلاتهم من أجل أن نحضر مجلس عزاء. قليلاً من الحكمة ومراعاة الأخلاق العامة واحترام مشاعر الناس وحاجاتهم أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.