خطبة الجمعة 14 ذوالحجة 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الغدير.. شهادة معاصرة


ـ في كتاب (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها) للشيخ الألباني، واسمحوا لي أولاً أن أعرّف المؤلف كي نَعرف قيمة الكتاب عند جماعة كبيرة من إخواننا من أهل السنة.
ـ قالوا فيه: (الإمام والمحدث أبو عبد الرحمن محمد بن الحاج نوح الألباني المعروف باسم محمد ناصر الدين الألباني (ت 1999م)، يعد من علماء الحديث ذوي الشهرة في العصر الحديث، تتلمذ على يديه كثير من العلماء والباحثين، وله أكثر من 300 مؤلف بين تأليف وتخريج وتحقيق وتعليق. مُنح جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية لعام 1419 هـ، ويعتبره البعض كأحد مجددي الإسلام في زمانه).
ـ إذاً نحن نتكلم عن قامة علمية مهمة عند إخواننا من أهل السنة، ولاسيما في المدرسة السلفية.
ـ فماذا ذكر الشيخ الألباني عن الحديث برقم (1750) والوارد في الجزء الرابع من كتابه؟
ـ 1750: (من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه).
ـ (قال الألباني في السلسلة الصحيحة 4 / 330 :ورد) أي النص السابق (من حديث زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة بن الحُصَيْب، وعلي بن أبي طالب، وأبي أيوب الأنصاري، والبَرَاء بن عازب، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وأبي هريرة).
ـ ثم جاء المؤلف ببعض نماذج الحديث وأسانيده ومن بينها: (حديث زيد وله عنه طرق خمس :
الأولى: عن أبي الطفيل عنه قال: لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقُمِمْن، ثم قال: كأني دُعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدُهما أكبر من الآخر: كتابُ الله وعترتي أهلُ بيتي، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما، فإنهما لن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض، ثم قال: إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال :من كنتُ وليَّه، فهذا وليُّه، اللهم وال من والاه، وعادِ من عاداه).
ـ ثم ذكر نموذجاً آخر من الحديث، حيث روى عن أبي الطفيل قال: (جمع علي رضي الله عنه الناس في الرَّحَبة) الرَّحَبة والرَّحْبة: الأرض الواسعة، والمراد هنا رَحبة الكوفة، وكانت عبارة عن ساحة وقطعة أرض كبيرة تابعة أو مجاورة لمسجد الكوفة (ثم قال لهم: أُنشد الله كلَّ امرئ مسلم سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام. فقام ثلاثون من الناس ـ و في رواية: فقام ناس كثير ـ فشهدوا حين أخذ بيده) أي حين أخذ النبي بيد الإمام علي (فقال للناس: أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله) والنبي يريد قول الله تعالى في الآية السادسة من سورة الأحزاب: [النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ] (قال: من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال:) أي أبو الطفيل (فخرجتُ وكأنَّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت علياً يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له).
ـ وعندما نعود إلى بعض المصادر التي دوَّنت هذا الحديث نجدها تذكر من بين الشهود:
1ـ الصحابي أبو أيوب الأنصاري، ومرقده مشهور في إسطنبول، وقد استشهد في إحدى معارك الفتوحات سنة 50 ه أو بعد ذلك، وكان من البدريين .
2ـ الصحابي خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، الشهيد بصفين، وكان من البدريين .
٣ ـ الصحابي أبو فضالة الأنصاري، استشهد بصفين مع أمير المؤمنين، وكان من البدريين .
٤ ـ الصحابي أبو قدامة الأنصاري، الشهيد بصفين مع أمير المؤمنين، وكان من البدريين.
5ـ الصحابي أبو الهيثم ابن التيهان، الشهيد بصفين مع أمير المؤمنين، وكان من البدريين.
6ـ الصحابي أبو هريرة الدوسي المتوفى سنة 57 أو بعد ذلك.
ـ ثم قال الألباني: (وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في المجمع ـ 9 / 103 - 108 ـ وقد ذكرتُ وخرَّجتُ ما تيسر لي منها، مما يقطع الواقفُ عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها، بصحة الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً، وقد استوعبها ابنُ عُقدة في كتابٍ مُفرَد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح ومنها حسان. وجملة القول أن حديث الترجمة) أي الحديث الذي يبحث بشأنه (حديثٌ صحيح بشطريه) الشطر الأول: [من كنت مولاه ، فعلي مولاه]، والشطر الثاني: [اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه] (بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما ظهر لمن تتبع أسانيدَه وطرقَه).
ـ ثم أضاف في نهاية كلامه: (إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان
صحته) أي سبب استرساله وذكر التفاصيل الكثيرة حوله في تحقيقه للحديث (أنني رأيت شيخ الإسلام ابنَ تيمية، قد ضعَّف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدققَ النظر فيها. والله المستعان) .
ـ وأود أن ألفت نظر الإخوة والأخوات الأعزاء إلى أن نص الحديث كما روي عن زيد بن أرقم يتضمن أمرين:
1ـ تحديد المرجعية الدينية من بعد رسول الله (ص) بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة من أهل بيت النبي، وعلى رأسها أمير المؤمنين علي (ع)، بكل تشعبات هذه المرجعية كما جاءت في قول الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران:164]. وذلك من خلال قوله(ص): (إني تارك فيكم الثقلين).
2ـ إناطة شؤون القيادة السياسية والإدارية لعلي (ع) بقوله(ص): (من كنت مولاه ، فعلي مولاه).
ـ إن إحياء ذكرى يوم غدير خم من قبل المسلمين الشيعة لا يُراد له أن يكون سبباً لإذكاء أية فتنة طائفية، إذ ليس من حق الشيعة أن يجعلوا من هذه المناسبة منطلقاً للتعرض لمقدسات الآخرين، كما ليس من حق أهلِ السنة الامتعاظ والطعن في إخوانهم الشيعة لإحيائهم هذه الذكرى التي تحمل دلالةً كبرى في تحديد هويتهم، سواء من خلال البحث العلمي، أو بإقامة الاحتفالات المنضبطة بالضوابط الدينية. وليكن إحياؤنا ليوم الغدير إحياءً يحمل روح المسؤولية كما حملها صاحبُ الذكرى أميرُ المؤمنين علي(ع) إذ قال: (لقد علمتم أني أحقّ الناس بها من غيري ، ووالله لأُسْلِمَنَّ ما سلمت أَمُور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ إلاّ عليَّ خاصَّة، التماساً لأجرِ ذلك وفضله، وزُهْداً فيمَا تنافسْتُمُوهُ مِنْ زُخرُفِهِ وزِبرِجه) بأن نجعل كلماتِنا في هذه الأجواء الاحتفالية منطلَقاً للتأكيد على الالتزام بمبدأ وحدة الأمة الإسلامية، والدعوة إلى المزيد من التقارب والتلاقي بما يصب في نهاية المطاف في صالح الجميع، وبما يجنبنا ويلات الفتن.