خطبة الجمعة 14 ذوالحجة 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: المؤمن والحياة


(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الحديد:20].
ـ لدى المؤمن أربعة أحاسيس تجاه الحياة يؤسس لها من خلال القرآن الكريم، لتجعل علاقتنا بها علاقة رابحة لا حسرة فيها ولا ندم:
1. الإحساس بها كنعمة من الله يتفضل بها على عباده. وهو إحساس يؤدي إلى ضرورة الشكر، والتجاوب الشعوري مع الحياة.
ـ قال تعالى: (‏‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيِّبًا) [‏المائدة‏:‏ 87- 88‏]‏‏.‏
2. الإحساس بهذه الحياة على أنها دار فتنة واختبار، للإيمان، وللأخلاق، ولفهم الإنسان لعلاقته بها، ولسلوكه تجاه خالقه وتجاه الآخرين.
ـ قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2].
3. الإحساس بهذه الحياة كمرحلة عابرة تمهّد إلى حياة خالدة.
ـ ولأنها غير مستقرة وقصيرة الأمد فهي حياة (دنيا)، لأنها أدنى من أن تمتلك قلب المؤمن أو أن تتحول إلى صنم يعبده.
ـ وقد سعى القرآن لتأكيد هذه الحقيقة.. فعندما تلكأت جموع من المسلمين عن الخروج لغزوة تبوك خاطبهم الله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ)؟ هل تعلقت قلوبكم بها فتحولت من الحياة الدنيا إلى الحياة العليا في نفوسكم واستبدلتم الآخرة بها؟ هل تملكتكم شعورياً فغدت صنماً يُعبد من دون الله؟ (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) التوبة:38.
4. الإحساس بالحياة الآخرة بعمق وحضور دائم في العقل والشعور، وبالتالي استحضار الموت بشكل دائم، باعتباره بوابة الآخرة.
ـ ونلاحظ أن علياً (ع) أكثر من التذكير بالموت في خطبه حين أقبل الناس على عهده على الحياة وملذاتها، وكثرت صراعاتهم بسببها، وساءت أخلاقهم، وتنافسوا فيها.
ـ ومن كلماته: (واستعدوا للموت فقد أظلَّكم).. (ضع منخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك)
(فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تُغلق رهائنها).. (ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات).
ـ إن علاقة الإنسان المؤمن بهذه الحياة إنما تسير في الاتجاه الصحيح إن خطَّط لها من خلال الأسس التي قدّمها القرآن الكريم لفهم الحياة في مبدأها ومعادها.. في الغاية من وجودها.. وفي علاقتها بالنشأة الآخرة.. وحينها تكون علاقتُنا بالدنيا تجارةً رابحة، لا حسرة فيها ولا ندم.