خطبة الجمعة 23 ذي القعدة 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: المؤمن والغل


ـ قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10].
ـ من صفات المؤمن أن يخلّص قلبه من الغل تجاه إخوانه المؤمنين، لأن الغل:
1. يعقّد حركة الإنسان في العلاقات الاجتماعية، بينما يُفترض بالمؤمن أن يفتح قلبه للناس بالمحبة والخير.
2. ولأنه يشكّل عبئاً ثقيلاً على نفسيته، فيُجهد عقله وروحه وجسده في ما لا يُرضي الله.
3. وهذا العبء يدفعه لارتكاب ما لا يتناسب مع شخصيته وأخلاقه، أملاً منه في أن يؤدي ذلك إلى التخفيف من ذلك العبء النفسي.
4. ولأن الجنة دار السلام والأمن الاجتماعي، فهي بالتالي لا تَستقبل مَن كان في قلبه غل لإخوانه المؤمنين، ولابد من تخليصه من هذا الغِل: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ، لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر:45-48]
ـ أما كيف يتم ذلك؟ وهل يتطلب الأمر زمناً من الحرمان من الجنة؟ في الكافي عن رسول الله: (إن العبد ليُحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام، وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعَّمن).
ـ وأود هنا أن أنبّه إلى حالة اجتماعية متكررة وهي حالة مؤسفة وتترتب عليها الكثير من السلبيات.
ـ فعندما يقع الطلاق ـ أو يوشك أن يقع ـ بين الزوجين، يتحوّل الخلاف بينهما إلى غِل متبادل.. هل يتناسب هذا مع صفة الإيمان؟
ـ إذا كانت المسألة بتلك الصورة الواردة في الآية تجاه الإخوان المؤمنين، أليس من الأولى أن يسعى الزوجان المقبلان على الطلاق، أو الذين وقع الطلاق بينهما أن يخلّصا أنفسهما من الغل المتبادل؟
ـ يقول الله سبحانه وتعالى وهو يرشدنا إلى الصورة المثلى في مثل هذه الحالات عند كلامه عن تشريعات الطلاق: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة:237].. لا تنسوا الأيام الجميلة التي جمعتكما.. لا تنسوا المودة والرحمة التي أضفاهما الله على العلاقة بينكما.. لا تنسوا الكلمات الجميلة التي تبودلت بينكما.. لا تنسوا فضل كل طرف على الآخر.. اجعلوا من هذه الذكريات التي جمعتكما، ومن حب الله للعفو، سبيلاً للخلاص من الكثير من صور الانتقام والتقاضي وتبادل التهم والشتائم وتشويه السمعة، فالجنة دار السلام، ومن يريد الجنة عليه أن يجعل قلبه دار سلام خالصٍ من كل غل.