خطبة الجمعة 19 رمضان 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: أهمية الذِّكر في حياتنا


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب: ٤١-٤٣.
ـ يريد لنا الله عزوجل أن نعيش حالة الذكر الدائمة له في عقولنا وفي قلوبنا وبألسنتنا، وفي كل حركة من حركات حياتنا.
ـ فالإنسان متى ما ابتعد عن هذا الذكر، فتح الأبواب لوساوس النفس والشياطين من الإنس والجن، لتتلاعب به، فتورده مناهل الرَّدى، ولربما خسر الآخرة مطلقاً.
ـ لأن هناك معادلة إلهية تقول: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الزخرف:36. والنتيجة: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ). الزخرف:37.
ـ صحيح أن الصد عن سبيل الله مشكلة خطيرة، لكن الأخطر منها أن يحسب الإنسان أنه يحسن صنعاً بينما هو صادٌّ عن سبيل الله.. هنا الخطورة العظمى. وهذا هو مصير مَن يُهمل ذكر الله، ويعيش الغفلة، ويستغرق في متطلبات هذه الدنيا.
ـ وهناك معادلة ثانية تقول: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) الحشر:٥٩.
ـ ونسيان النفس يعني نسيان الغاية التي من أجلها خُلق الإنسان. المبدأ والمسار والمآل. من أين أتيت؟ ولماذا أتيت؟ وإلى أين المصير؟ ونسيان أن هذه الدنيا دار مجاز وأن الآخرة هي دار القرار التي من أجلها خلقنا.
ـ فيسخّر هذا الإنسان كل طاقاته وجهوده لإعمار الدنيا.. مالاً وجاهاً ولهواً وإشباعاً للغرائز.. وأما ما كان لرصيد الآخرة، فلا شيء يذكر.
ـ الذكر الدائم لله، في عقلك وفي قلبك وعلى لسانك، من أهم العوامل التي يمكنها أن تحقق لك التوازن في هذه الحياة، كما قال علي(ع): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً). من يفعّل الذكر في حياته يستطيع أن يحقق هذه المعادلة الصعبة التي يفشل الكثيرون في تحقيقها إفراطاً وتفريطاً.
ـ ومع هذه الجهود الصادقة من الإنسان المؤمن لتحقيق هذا الذكر المستمر، يأتي المدد الغيبي: صلوات الله وملائكته.. (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).. توفيقات الله وتسديداته وهداياته ورحماته.. ودعوات الملائكة ورعايتهم.. وما أعظمها من تحفة ينالها المؤمن من الغيب.
ـ وليلة القدر ليلة استثنائية من ليالي ذكر الله.. يتفرغ فيها المؤمنون بجد واجتهاد وإقبال على الصلاة وتلاوة كتاب الله والدعاء والمناجاة.
ـ هذه الليلة لا تبدأ قرب منتصف الليل كما يتصور كثيرون.. هي تبدأ مع انتهاء النهار.. مع غياب الشمس.. وتستمر إلى مطلع الفجر.
ـ وخلال تلك السويعات التي يُقبل فيها المؤمنون على الله، تغمرهم صلوات الله وملائكتِه.. تتفتح أبواب الرحمة والمغفرة والبركات والهدايا الربانية.. ولذا فهي ليلة السلام الإلهي.. (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
ـ فلنجعل ليلةَ القدر ليلةَ ذِكرٍ حقيقي لله.. لنستجلب بذلك شآبيب رحمةِ الله.. لنجلب السلامَ إلى أرواحِنا المتعَبة.. لنتخفف من الأحمال التي أثقلت ظهورَنا فجعلتنا نخلُد إلى الأرض، ومنعَت أرواحَنا من أن تحلق في رحاب الله.. والوعدُ الإلهي كما قال سبحانه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) البقرة:152.