خطبة الجمعة 5 رمضان 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: التضليل المعلوماتي


ـ قال تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:78].
ـ اعتاد ذوو النوايا الخبيثة، وأصحاب المصالح الضيقة ممن لا يخافون الله، والمتعصبون، أن يستخدموا أسلوب التضليل المعلوماتي كذباً، أو تحريفاً، أو تلاعباً بالكلمات:
١) من أجل توجيه الرأي العام لصالحهم
٢) أو في إطار الحرب النفسية في أجواء الصراعات الفكرية والميدانية
٣) أو من أجل تحقيق الانتصار على الخصوم في الجدالات والحوارات القائمة بينهم
ـ والآية السابقة وإن كانت تتحدث عن واحدة من الأساليب التي لجأ إليها يهود المدينة في حربهم الخفية ضد المسلمين للتشكيك في رسالة النبي(ص)، وزلزلة ثقة المسلمين بنبيهم وكتابه، وإثارة الفتن الفكرية في مجتمع المسلمين، إلا أنها تمثل نموذجاً لأسلوب التضليل المعلوماتي والإعلامي كما جاء في التعريف السابق.
ـ واليوم، نجد الجماعات التكفيرية تستخدم ذات الأسلوب في التضليل المعلوماتي والإعلامي من أجل تصوير ما تتبناه من أفكار ومفاهيم ضالة، وما تمارسه على أرض الواقع من صور الإجرام والوحشية وأعمال الإبادة
على أنه من صُلب الإسلام، وأنها تعمل بكتاب الله (تعالى) وتلتزم سنة رسوله(ص) في كل ذلك.
ـ وقد نجحت الجماعات التكفيرية بهذا الأسلوب التضليلي في خداع الكثيرين من البسطاء، أو المتعصبين مذهبياً، أو الذين سلَّموا عقولهم لكي تحشوه لهم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بما شاءت، متأمّلين أن يكون هذا المشروع الاستخباراتي اللقيط إحياءً لدولة الخلافة الراشدة.
ـ وللأسف أن ذاكرة الناس قصيرة الأمد جداً، فقد تناسوا أهوال دولة التكفير الطالبانية وجرائمها في أفغانستان، ووقعوا ضحية هذا التضليل المعلوماتي والإعلامي الذي مارسه التكفيريون الجدد.
ـ ثم صُدِم المجتمع الكويتي في مثل هذه الأيام من العام الماضي بجريمة مهولة لم يَعرف لها من قبل نظيراً، حيث قام التكفيريون بعملية التفجير الآثم والغادر لمسجد الإمام الصادق(ع) في يوم الجمعة.. في شهر رمضان.. في بيت من بيوت الله.. فقَتلوا وأصابوا ودمَّروا ما بقيت آثاره قائمة إلى هذا اليوم.
ـ ورُب ضارة نافعة، حيث توحّد أهل الكويت ومَن يعيش على أرضها ـ إلا من شذَّ منهم ـ بعد أن قام سمو الأمير بحكمةٍ واقتدارٍ بقيادة وتوجيه مسار الأحداث اللاحقة، بما يحقق للكويت أمنَها واستقرارَها ووحدَتَها في مواجهة هذا الحدث الرهيب، والفتنة التي أريد إيقاعها في البلد.
ـ وتمضي الأيام، وتعاني بعض دول المنطقة من ذات الجماعات التكفيرية، فإذا ببعض وسائل إعلامنا ـ ولا سيما الصحافة المحلية ـ تعود لتمارس ذات الدور الممجوج في التضليل المعلوماتي والإعلامي بما يصبُّ في صالح تلك الجماعات التكفيرية التي نشأت من رحم حزب البعث أو تحالفت معه، فجمعت من ذي وذاك كل صور الإجرام والإرهاب والفكر الإقصائي والمتطرف.
ـ يقول (د. ذياب الطائي) في كتابه (التضليل الإعلامي من صناعة الخبر إلى صناعة السينما) أن التضليل يتحقق من خلال ثلاثة أمور:
1) عدم تقديم المعلومات إلى المتلقي كما هي
2) إجراء التعديلات في النص أو في الصورة بشكل مدروس ومنهجي مما يؤدي إلى تغيير في المفاهيم
3) خلق واقع جديد لا علاقة له بالواقع المتحقق فعلاً، وذلك بهدف خدمة مصالح أو أغراض خاصة
ـ وهذا بالفعل ما تقوم به بعض وسائل الإعلام المحلية، فمن أساليبها التلاعب بالكلمات، حيث يتحول (تحرير الأرض) إلى (الهجوم على البلدة الفلانية)، ويتحول (إنهاء مرحلة في الحرب) إلى (إيقاف قسري بسبب شدة المقاومة)... ومن هو المحتل الذي يقاوم بحسب تعبيرها؟ هم التكفيريون!
ـ ومن أساليبها صياغة العناوين ومضامين الأخبار بشكل يؤدي إلى التهويل من قوة التكفيريين (20000 من القوات الحكومية والشعبية لطرد 600 مقاتل).. لخدمة مَن يتم هذا الأمر؟ ولم يتم التغافل عن تحصّن هؤلاء التكفيريين بالأهالي مما يجعل عملية طردهم أمراً عسيراً؟
ـ ولا يغيب عنها توجيه الأخبار توجيها طائفياً وكأن الحرب القائمة حرب طائفية يشنها الشيعة ضد السنة، حيث تجد أن كلمة الشيعة في جهة، وكلمة السنة في جهة أخرى، لا تغيبان عن صياغة تلك الأخبار، بينما المعركة تدور ضد التكفيريين!
ـ ولا أدري كيف تتناسى وسائل الإعلام هذه جريمة الغزو الصدامي البعثي للكويت، وكيف تتناسى جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق(ع) من قبل التكفيريين، وأن العدو واحد، وهو يتربص بأمن الكويت كما يتربص بأمن دول المنطقة بلا تمييز، ثم تمارس دور التضليل المعلوماتي والإعلامي؟!
ـ الكلمة مسؤولية، وعلى وسائل الإعلام ـ وخاصة الصحافة المحلية ـ أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الكلمة الصادقة، وأن تتحلى بالموضوعية، وأن لا تنساق وراء اللعبة الطائفية التي ليست سوى فتنة لا ترحم أحداً، ولا تخدم أحداً.. إن الاعتداء الإرهابي الذي وقع العام الماضي في مسجد الإمام الصادق(ع) لم يكن عدواناً على أبناء طائفة بعينها، بل كان عدواناً على الكويت وعلى أهلها ومن يعيش على أرضها بكل تنوعاتهم.. وما تتعرض له الدول المحيطة بنا من إرهاب هؤلاء التكفيريين يُلزِم وسائل الإعلام أن تتعامل بكل صدق مع الأخبار والتحاليل المتعلقة بها، وأن لا تمارس التضليل الإعلامي تهويلاً لقوة التكفيريين، وزجاً بالمسألة الطائفية وتلاعباً بالكلمات، وقد قال تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) فالعدو واحد، وهو عدوٌّ لا يعرف سوى القتل والدمار والجريمة والعدوان.