خطبة الجمعة 5 رمضان 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: المائدة الحرام


ـ (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36].
ـ في الأسبوع الماضي عندما قرأت على مسامعكم خطبة النبي الأكرم(ص) ذكرت بأن هذه الخطبة تمثل برنامجاً لشهر رمضان... ولم أعنِ بذلك خصوص الجانب العبادي المذكور في الخطبة، بل بما يشمل كل التوجيهات المعنوية والأخلاقية أيضاً.
ـ ومن الواضح أن المؤمنين يُقبلون على الصلوات المستحبة وتلاوة كتاب الله عزوجل والدعاء بشكل استثنائي خلال هذا الشهر... ولكن ما قيمة ذلك إن أحرقوه بنيران الغيبة والبهتان؟
ـ أمير المؤمنين(ع) في نهاية الخطبة قام وسأل، ولنعم ما سأل: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ).. لا الصلاة ولا السجود ولا تلاوة كتاب الله ولا الدعاء ولا صلة الأرحام.. بل الورع عن محارم الله.
ـ ومثل هذا نجده في الحج، وهو أيضاً برنامج عبادي مميز كصيام شهر رمضان، فعن الإمام الصادق(ع) أنه قال: (كان أبي يقول: لا يُعبأ بمن يَؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: خُلُقٌ يُخالق به مَن صَحِبَه، أو حِلْمٌ يملك به غضبَه، أو وَرَعٌ يَحجِزُه عن محارم الله).
ـ لا أدري لماذا نستقبل في كل عام سيلاً من الفتن كلما استقبلنا شهر رمضان.. في كل عام هناك مائدة طويلة تُمد إلى جانب موائد الإفطار.. مائدة لتشريح لحوم الناس وهتك حرمتهم.. في كل عام عندنا ضحايا لشهر رمضان، وكأن البعض لا يحلو لهم الشهر إلا أن يكون شهر فتنة بدلاً من أن يكون شهر رحمة.
ـ تبدأ المائدة بمسألة الاختلاف على تحديد بداية الشهر، فيُهتَك الشهود، ويُهتك مراجع الدين، ويُهتَك العلماء، ويُهتَك مَن يخالفنا الرأي... سباب وإهانات واتهامات بشكل غريب على مواقع التواصل الاجتماعي... ثم تَستمر المائدة باستقبال لحوم المؤمنين على أصنافها وقد شُرِّحت تشريحاً.
ـ قليلاً من الورع والتقوى أيها المؤمنون: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).. تمريرك للرسالة عبر الوتسب والفيسبوك والتويتر ونشرها وهي تتضمن إساءات لأشخاص وأنت لا تعلم مدى صحة الكلام الوارد فيها بمثابة لو أنك تحدثت بلسانك.. لا فرق.. لا تستخف بالأمر فقد تضيع كل عباداتك وثوابك في هذا الشهر بهذه الحركة البسيطة.
ـ لقد ذكرت في الأسبوع الماضي ضمن قراءة خطبة النبي(ص) في استقبال شهر رمضان قوله: (وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ).. ولعل المتبادر إلى أذهاننا من المقطع الأخير الاستماع إلى الأغاني المحرمة.. بينما ننسى أن الغيبة والبهتان من مصاديق ما حرّم الله الاستماع إليه، فلنتق الله في أنفسنا وفي عباده، ولنشغل ألسنتَنا وأسماعَنا وأبصارَنا بما يُرضي الله، فـ (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).