خطبة الجمعة 20 شعبان 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الفهم المغلوط لانتظار الفرج


ـ تحدثت في الأسبوع الماضي عن الفئة التي وإن كانت تعيش حالة الإيمان بالمسألة المهدوية، إلا أنها لا أبالية تجاه مسؤولياتها الرسالية في عصر الغيبة، وهي المسؤوليات التي تلتقي مع المشروع المهدوي في عصر الظهور.
ـ إلى جانب هذه الفئة هناك فئة أخرى تعيش حالة من المسؤولية تجاه المشروع المهدوي، إلا أنها تتجه فيها اتجاهاً غريباً يتعارض مع أسس الإسلام وتعاليمه، ومع حكم العقل ومنهج الفطرة، حيث تعتبر أن من مسؤوليتها المساهمة ـ أو على الأقل اتخاذ الموقف السلبي ـ تجاه المقدمة الحتمية للظهور، وهي أن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً.
ـ هذه الفئة تعتبر أن أية جهود تُبذل لرفع الظلم، ومحاربة الفساد، ومواجهة الباطل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، هي بمثابة السعي لتأجيل الظهور لا لتعجيله.
ـ وفق إحدى منشورات أصحاب هذه الدعوة فإن مسؤولية الشيعة خلال فترة الغيبة تتمثل في:
ـ انتظار الإمام المعصوم ـ تقليد مرجع ديني ـ الحزن لغياب الإمام ـ الصلاة لتعجيل الفرج ـ البكاء على غيبته ـ الخضوع لإرادة الإمام في تحديد زمن الظهور ـ دفع الصدقة لصحة الإمام ورفاهه.
ـ وقد بدأت هذه الفئة بالظهور في إيران في منتصف خمسينيات القرن العشرين، كما ظهرت في تسعينياته في العراق فئة تحمل ذات التوجه ولكن بمسمى آخر، واتُّهمت بارتكاب جرائم اغتيال بحق مراجع وعلماء في النجف الأشرف وخارجه ممن فضحوا ممارساتها، ووقفوا ضد انحرافاتها. فما هي جذور هذه الفكرة الغريبة؟
1) النصوص الناهية أو الذامة للخروج في وجه الباطل، أو الداعية إلى السلبية والسكوت من قبيل:
ـ ما روي عن جابر عن الباقر(ع) أنه قال: (يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامُهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان... قال جابر: فقلت: يابن رسول الله، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: حفظ اللسان، ولزوم البيت). وعن الصادق(ع): (كل راية تُرفع قبل قيام القائم (ع) فصاحبها طاغوت). وعن السجاد(ع) أنه قال: (والله، لا يخرج أحدٌ منّا قبل خروج القائم إلا كان مَثَلُه كمثل فرخِ طائر، طار مِن وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به. ما خرج ولا يخرج منّا أهلَ البيت إلى قيام قائمِنا أحد، ليَدفع ظلماً، أو يُنعش حقاً إلا اصطلمته البلية، وكان قيامُه زيادة في مكروهنا وشيعتنا).
ـ وهذه النصوص معارضة للآية القرآنية التي تحدثت عنها في الأسبوع الماضي والتي تبيّن مسؤولية المؤمنين في عصر الغيبة: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد:25].
ـ كما أن بعضاً منها يخصّ الظروف التاريخية في زمن صدور النص، وبعضها يتعلق بالرايات التي تدّعي المهدوية أو العلاقة المباشرة بالمهدي في زمن الغيبة زوراً، ويشم من بعضها رائحة الوضع من قبل السلطات.
ـ ولو افترضنا صحة صدور بعضها ـ وهو مجرد فرض لا أكثر ـ فإنها تخص النهي عن رفع السيف والثورة المسلحة، لا أنها تنهى عن مطلق الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإصلاح، ومواجهة الفساد بصوره المختلفة، الاجتماعية منها والثقافية والأخلاقية والتربوية والاقتصادية، بالوسائل السلمية والأساليب الحضارية.
ـ ثم هل يُعقل أن يتم تعطيل فرائض الله لأكثر من ألف سنة؟ والله تعالى يقول: (لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إِسْرائيلَ عَلى لسان دَاودَ وعيسى بن مَرْيَمَ ذلكَ بِما عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدونَ، كَانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلونَ)[المائدة: 78- 79]. وقال سبحانه: (وَإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ منْهُمْ لمَ تَعظُونَ قَومًا اللهُ مُهْلكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَديدًا قَالُوا مَعْذرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا به أَنجَيْنَا الَّذينَ يَنْهَوْنَ عَن السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذينَ ظَلَمُوا بعَذَاب بَئيس بمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)[الأعراف: 164- 165].
2) الفهم الخاطيء للمسألة المهدوية، باعتبارها دعوة للانهزام والتراخي والكسل في انتظار تحقق الفرج المحتوم في آخر الزمان، وأن لا فائدة من القيام بأي عمل إيجابي في الوقت الذي تخبرنا فيه النصوص أن مسار التاريخ سيكون نحو المزيد من الظلم والعدوان والفساد؟ وأن الحل سيكون بيد المهدي(ع) فحسب.
ـ وهذا ما دفع أحمد أمين أن يعتبر المهدوية هروباً إلى الأمام: (إن الشيعيين فشلوا أول أمرهم في تكوين مملكة ظاهرية لهم على وجه الأرض وعُذّبوا وشُرّدوا كل مشرَّد فخلقوا لهم أملاً في الإمام المنتظر المهدي).
ـ والواقع أن مسؤولية المؤمنين في كل زمان لا تتغير في عناوينها الكبرى، وإن تغيرت من حيث الأساليب والاستراتيجيات، وعليهم تحمّلها، وإلا كانوا عاصين لله ومعاقَبين، ولن يكون المآل التاريخي معذِّراً لهم في التنصل من تلك المسؤوليات.
3) التصور الخاطيء لكيفية تحقق النصر على يد الإمام المهدي عند الظهور، وكأن المسألة تعتمد يومذاك على عدد محدد من الأفراد يزيدون على الثلاثمائة بقليل، يعضدهم المدد الإعجازي، لتنتهي المسألة في غضون أسابيع أو بضعة أشهر، وما على المؤمنين إلا حصاد النتيجة والاستمتاع بآثار النصر المهدوي.
ـ وهم في غفلة عن أن هذه الروايات ـ إن صحَّت ـ فإنما تتحدث عن القادة، وأن مخاضات النصر المهدوي تحتاج إلى عشرات الآلاف من الأنصار على الأقل.
ـ ثم ماذا عن مرحلة ما بعد النصر وإدارة الدولة؟ ألا تحتاج هي بالتبع إلى الفئات المؤمنة والرسالية ذات الاختصاصات المختلفة والتي ستأخذ على عاتقها مسؤولية إدارة دولة العدل المهدوية؟
ـ وكما تؤمن الأصولية المسيحية بضرورة مساعدة اليهود على قيام دولتهم ودعم الصهيونية العالمية لتستبد وتنشر الظلم والفساد ما أمكن لغرض تحقيق المقدمة المطلوبة لظهور السيد المسيح (ع) في آخر الزمان، وقيام معركة هرمجدون التاريخية الفاصلة على أرض فلسطين المغصوبة لتتحقق على يديه مملكة الله على وجه البسيطة.. كذلك يدعو بعضُ المؤمنين بالمسألة المهدوية إلى السلبية أو المساعدة على نشر الظلم والفساد من أجل تحقيق المقدمة المطلوبة كما في الحديث النبوي: (لا تقوم الساعة حتى تُملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً...).. وكلاهما في غفلة عن أن الله تعالى قد كلّف عبادَه في كل زمان ومكان ليكونوا المؤمنين الصالحين الداعين إلى الخير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والرافضين للظلم والمحاربين للفساد، وإلا عمّهم العقاب الإلهي من خلال سلبيتهم أو دعوتهم إلى الباطل. وقد جاء التحذير النبوي بيِّناً حيث قال(ص): (والذي نفسي بيده؛ لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشِكَنَّ الله أن يَبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونَه فلا يُستجاب لكم).