خطبة الجمعة 20 شعبان 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الإخلاص في خدمة الناس


ـ عن الكاظم(ع): (إنّ للَّه عباداً في الأرض يَسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة).
ـ لخدمة الناس قيمة عليا في الميزان الإلهي، سواء أكانت تلك الخدمة منطلقة من الحس الإنساني الفطري، أو من خلال الدافع الإيماني، حيث أكدت النصوص على قيمة التقرب إلى الله من خلال هذا النوع من العمل الصالح، والثواب العظيم الذي ينتظر أصحابه.
ـ وفي القرآن الكريم صورة الطفل موسى(ع) الذي تربّى في قصر فرعون بعد أن ألقته أمُّه في اليم: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) [القصص:9].. ثم غدا شاباً يافعاً قوي البنية: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [القصص:14].
ـ فهل كانت حياة الترف والسلطة التي تَمتَّع بها كربيب للبيت الفرعوني، بالإضافة إلى المميزات الذاتية جسدياً وعقلياً وعلمياً قد غيّرت الحس الإنساني الفطري لديه في خدمة الضعيف والمحتاج؟
ـ هل تضخَّمت عنده الأنا بصورة تجعله يفقد رؤية ما حوله، ولا يجد للآخرين موقعاً سوى أن يكونوا في خدمته، أو لتحقيق راحته، أو وسيلة لبلوغ طموحاته؟ أبداً... فكل العناصر التي يمكن لها أن تدمّر شخصية الشاب وتنحرف به سلوكياً توفرت له، ولكنه لم يستجب لها.
ـ وجاء وقت الاختبار: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص:23-24]. صورة تلقائية تماماً في خدمة الضعفاء.
ـ قد تتكرر هذه الصورة كثيراً في يومنا هذا، إذ يهرع الشباب بمجرد أن يجدوا فتاة في الطريق قد تعطلت مركبتها.. فهل يستوي هذا العمل وذاك؟ اختبر نفسك.. موسى(ع) قَبْل هذا الموقف بأيام كان أمام موقف آخر.. ليس فيه خدمةٌ للجنس الناعم، ولا استعراض عضلات أمامهن.. فماذا فعل؟
ـ قال تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ)[القصص:15].
ـ الآن بغض النظر عن النتيجة، المهم أن مسألة الخدمة هنا كانت ذاتية، إنسانية، ليس للأنا فيها حضور، أنا الرغبة في المديح.. أنا الشهوة.. أنا المال.. أنا الشهرة.
ـ وكانت دافعيته لخدمة الضعيف والمحتاج بمستوى من القوة أنه لم يكد يمر وقت طويل حتى صار في موقف مشابه، فاندفع مرة أخرى بدافع إنساني ليقدّم خدمة على الرغم مما لاقاه نتيجة الخدمة السابقة.
ـ إذا كان الأمر لدينا بهذه الصورة فنحن بخير..
ـ ولا أعتقد أن شبابنا يعيشون من الترف والملك والسلطة والمقومات الذاتية معاً ما يتفوقون به على موسى(ع).
ـ لقد استطاع النبي موسى(ع) أن يخلِّص ذاته من الأنا ليكون مُخلِصاً في خدمة المحتاج والضعيف، على الرغم من كل تلك العوامل والمغريات التي أحاطت به، وبإمكان أيِّ شاب من شبابنا أن يخلّص نفسه من تبعات الترف والنعيم والأنا المتغوّلة، فلا تعود لتكون عذراً أمام إشراقات النفس الإنسانية التي تتوق لفطرتها الربانية، وللتسامي على النرجسية البغيضة.. وواحدة من تجلياتها أن يكون الإنسان في خدمة الآخرين، بدافعٍ إنساني، وتقرباً إلى الله سبحانه.