خطبة الجمعة 13 شعبان 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: لماذا ندعو للإمام المهدي بتعجيل الفرج؟


ـ في الكافي عن محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين (ع) قال: (تُكرِّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال، وفي الشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي (ص): اللهم كن لوليك فلان بن فلان، في هذه الساعة، وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعوناً [وعيناً] حتى تُسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً). ما خلفية دعائنا للإمام المهدي(ع) بتعجيل الفرج؟
ـ هل لأن الإمام (ع) يعيش في ضيق ووضع سيء على المستوى الشخصي، كما لو كان مسجوناً، أو في ضائقة مالية، أو مطارَداً من قبل بعض السلطات الظالمة، أو يشعر بالملل، وأمثال ذلك، فندعو له بتعجيل الفرج لكي يتخلص من هذا الظرف السلبي؟
ـ من الواضح أن المسألة ليست في هذا الاتجاه.. فما هو الاحتمال الآخر؟
ـ أن يكون دعاؤنا له بتعجيل الفرج لمصالحنا الشخصية، أي أن يظهر ليحل لنا مشاكلنا الخاصة، كأن نكون في ضائقة مالية، وندعو له بالفرج كي يظهر ويحل هذه المشكلة التي تصعّب حياتنا اليومية؟
ـ أو أن يكون لنا مرضى ونريد تعجيل فرجه كي يظهر ويشفي مرضانا ببركته أو بالدعاء لهم مثلاً؟
ـ أو أن امرأة ما تعاني من قهر زوجها وظلمه وبطشه، وتريد الخلاص من هذا الوضع السلبي المتكرر بتعجيل فرج الإمام وظهوره؟
ـ فعلاً ارتباط البعض بالإمام محجَّم بهذه النظرة الضيقة، فهو يربط مسألة الغَيبة والإمامة والظهور وما إلى ذلك بظروفه الشخصية ومصاعبه.. هكذا هي قصص اللقاء به. فالإمام يظهر لكي يرشد شخصاً أضاع طريقه في الصحراء.. ويظهر لكي يُردف فلاناً على بغلته ويوصله إلى قافلته التي تخلّف عنها في السفر.. والإمام يظهر لكي يزيل الحيرة عن مسألة شرعية فرعية لا تُقدِّم ولا تؤخّر..
ـ من المفترض أن المسألة ليست في هذا الاتجاه، بل من السذاجة ربط مسألة المهدوية والغيبة والظهور وتعجيل الفرج بقضايانا الشخصية.. فما هو الاحتمال الآخر؟
ـ أن يكون دعاؤنا له بتعجيل الفرج لكي يظهر ويخلّصنا من الخلافات الفقهية، ويوحّد الرسالة العملية، فنعرف أن تكليفنا في الحالة الفلانية هل هي الصلاة قصراً أم تماماً، وهل نعيد الطواف عند تذكر وجود نجاسة في ثوب الإحرام أم لا حاجة إلى ذلك، وهل يبطل الوضوء لو لمسنا صنبور الماء قبل مسح الرأس أم لا.
ـ أيضاً المسألة ليست في هذا الاتجاه، وإن كانت هي نتيجة مفترضة لظهوره، إلا أن الدعاء لتعجيل الفرج له
لا ينصب لهذا الغرض. فما وراء هذ الدعاء؟ وما هو الضيق الذي يعاني منه أو نعاني منه فندعو له بالفرج؟
ـ الجواب يكمن في الحديث النبوي المتفق عليه إجمالاً: (لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً) وفي بعضها جوراً بدل عدواناً.
ـ فالدعاء بتعجيل فرجه يجب أن ينصب في الأساس في هذا الاتجاه، وهو غرض رسالي، تماماً كما قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد:25].
ـ والآية تبيّن غاية إرسال الرسل التي تلتقي بغاية ظهور المهدي في آخر الزمان.. تحقيق وتمكين العدل والقسط بين الناس.. والدعاء بتعجيل الفرج يجب أن يكون لتحقيق هذه الغاية الرسالية.
ـ ولنلتفت إلى ما ذكرته الآية في خواتيمها: (وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ).. أي عندما نفتقد مَن يرسلهم الله لهداية الناس وإقامة العدل فيهم، هل نقوم نحن بهذه المسؤولية الرسالية؟ هل ننصر الله ورسله؟
ـ وبالتالي فمن يدعو بتعجيل الفرج يجب أن يكون إنساناً رسالياً، ناصراً لدين الله، ساعياً نحو العدل، متحملاً مسؤولياته في هذا الاتجاه.. كما قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة:71]، وكما قال النبي(ص) في ما روي عنه: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)، وإلا فسيكون دعاؤه مردوداً عليه.
ـ إن الله سبحانه وتعالى يقول: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).. هذا هو مشروع المهدي(ع) كما كان مشروع الرسل.. سواء عند الذين يؤمنون بولادة المهدي وغَيبته أم عند مَن سواهم.. فهل يكون مَن لا يعرف للعدل معنىً في بيته، وحيث يعمل، وفي السوق، وفي الشارع، وفي تعاملاته مع الناس، عموم الناس، مسلمِهم وغيرِ المسلم، هل يكون ناصراً لله ولرسلِه بالغيب، لتكون حركتُه في ذات اتجاه حركة الإمام المهدي، فيتطلّع أن يعيش لحظة ظهورِه فيكون من أنصاره؟ وهل مِن حقِّ مَن يعمل على تمزيق الأمة، وإثارة الأحقاد الطائفية، وتمكين أعداء الإسلام من تحقيق مشاريعهم الاستكبارية أن يدّعي أنه من أوليائه المتلهّفين لقيامه والمستعديّن لنُصرته، في الوقت الذي يعمل فيه على تدمير المشروع الإلهي المتمثّل في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران:103] ؟ وهل يكون مَن لا يعيش إلا همَّ نفسِه ولا يتحمل مسؤوليتَه الرسالية، أمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر، ودعوةً إلى الخير، إنساناً رسالياً، كي يدعو بتعجيل الفرج بظهوره، والله تعالى يقول في الآية اللاحقة: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104] ؟ إنها التناقضات التي يعيش عليها كثيرون، ويخدعون بها أنفسهم، ويُمَنّون بها أبناءَهم، وستذهب أدراج الرياح، ما لم يُصلحوا أمورَهم، ليكونوا حقاً من الذين ينصرون الله ورسلَه بالغيب، وليكونوا صادقين في دعائهم للمهدي(ع) بتعجيل فرجه.