خطبة الجمعة 9 جمادى الآخرة 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الدعاء عند افتضاح العيوب


ـ كان من دعاء الإمام زين العابدين (ع) إذا ابتُلي أو رأى مبتلى بفضيحة بذنب: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سِتْرِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَمُعَافَاتِكَ بَعْدَ خُبْرِكَ....).
ـ هناك نموذج من الناس يتتبعون الفضائح ويشتوّقون إليها، وتتحول عندهم إلى حالة من الهوس، إلى درجة أن هناك مجلاتٍ وصحف ومواقع على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي متخصصة في ذلك.
ـ وهناك نموذج آخر ليس من هذا الصنف، ولكنه لا يبالي أن يطّلع على ذلك، ويقوم بنشره.
ـ ومن المعلوم أن للإسلام موقفاً واضحاً من الحالتين، وهو حرمة تتبع العثرات والعيوب وكشفها ونشرها.
ـ في هذا الدعاء يقدّم لنا الإمام (ع) صورة مغايرة تماماً تتمثل في ردة فعل الإنسان المؤمن عندما يطّلع على فضيحة أحد.. فبدلاً من أن يهمّ بنشرها، يحوّل الأمر إلى موقف للعِظة والاعتبار.
ـ ولذا يصدمنا الإمام بالحقيقة المرَّة التي لربما نحاول تجاهلها وتناسيها: (فَكُلُّنَا قَدِ اقْتَرَفَ الْعَائِبَةَ فَلَمْ تَشْهَرْهُ) فالفرق الآن بيننا وبين صاحب الفضيحة هو انتشار الخبر وستره (وَارْتَكَبَ الْفَاحِشَةَ فَلَم تَفْضَحْهُ، وَتَسَتَّـرَ بِالْمَسَاوِي فَلَمْ تَدْلُلْ عَلَيْهِ. كَمْ نهْيٍ لَكَ قَدْ أَتَيْنَاهُ، وَأَمْرٍ قَدْ وَقَفْتَنَا عَلَيْهِ فَتَعَدَّيْنَاهُ، وَسَيِّئَةٍ اكْتَسَبْنَاهَا، وَخَطِيئَةٍ ارْتَكَبْنَـاهَا، كُنْتَ الْمُطَّلِعَ عَلَيْهَا دُونَ النَّاظِرِينَ، وَالْقَادِرَ عَلَى إعْلاَنِهَا فَوْقَ الْقَادِرِينَ).
ـ فما الذي سترها وستر علينا؟ أليس هو الله؟ إذاً فالأمر بيد الله، والله قدير على أن يفضحنا، فنتساوى حينذاك مع صاحب الفضيحة:
ـ (كَانَتْ عَافِيَتُكَ لَنَا حِجَاباً دُونَ أَبْصَارِهِمْ، وَرَدْماً دُونَ أَسْمَاعِهِمْ) فاجعلنا يارب نتذكر هذه الحقيقة، لنشعر بنعمك ونكون لك من الشاكرين بالقول حمداً، وشاكرين بالعمل بأن يكون تذكرنا لهذه الحقيقة رادعاً لنا عن فعل ما يقبح، ومانعاً لنا عن أن نخوض في عيوب الناس:
ـ (فَاجْعَلْ مَا ستَرْتَ مِنَ الْعَوْرَةِ، وَأَخْفَيْتَ مِنَ الدَّخِيلَةِ وَاعِظاً لَنَا، وَزَاجِراً عَنْ سُوْءِ الْخُلُقِ وَاقْتِرَافِ الخَطِيئَـةِ، وَسَعْياً إلَى التَّوْبَةِ الْمَاحِيَةِ وَالطَّرِيْقِ الْمَحْمُودَةِ، وقَرِّبِ الْوَقْتَ فِيهِ) فلا نؤجله وقد يأتينا الموت فجأة قبل أن نتوب، وقد يكون التأجيل سبباً في أن نغفل وننسى حتى يأتينا الموت:
ـ (وَلاَ تَسُمْنَا الْغَفْلَةَ عَنْكَ إنَّا إلَيْكَ رَاغِبُونَ، وَمِنَ الذُّنُوبِ تَائِبُونَ).
ـ ثم يختتم الإمام (ع) دعاءه بالكلمات المباركة التالية لتكون سبباً من أسباب استجابة الدعاء: (وَصَلِّ عَلَى خِيَرَتِكَ اللَّهُمَّ مِنْ خَلْقِكَ مُحَمَّد وَعِتْرَتِهِ الصِّفْـوَةِ مِنْ بَرِيَّتِـكَ الطَّاهِرِينَ، وَاجْعَلْنَا لَهُمْ سَامِعِينَ وَمُطِيعِينَ كَمَا أَمَرْتَ).