خطبة الجمعة 2 جمادى الآخرة 1437: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: إنا أعطيناك الزهراء


(إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) [آل عمران:37].
ـ كانت الأمنية التي تعلّق بها قلبُ امرأةِ عمران أن يرزقَها اللهُ الولد، لتَجعله حُراً من أية سلطة بشرية..
ـ ولتكون حياتُه خالصةً في خدمة الله.. وفي طريق الرسالة..
ـ ولما رزقها الله بنتاً، بقيت تعيش الأمنية الروحية في أن تكون هذه البنت محرَّرة في خدمة الله..
ـ في بيت الله..
ـ واصطفَت لها من الأسماء مريم.. أي العابدة.. إمعاناً في تحقيق الهدف..
ـ وسألت الله أن تكون هذه البنت، وأن يكون امتدادُها في ذريتها بعيدين كل البُعد عن وساوس الشيطان ومكره.
ـ لتكون حركتُهم خالصة في طاعة الله، من دون أيِّ انحراف أو زلل.
ـ وتقبل الله هذه الأمنية، واستجاب هذا الدعاء..
ـ ورعاها بعينه التي لا تنام..
ـ وجعلها في كفالة نبي زمانها.
ـ وهكذا عاش النبي الأكرم محمد في أجواء دعوته الخالصة لوجه الله أمنيةَ الامتداد الزمني للرسالة في ذريته..
ـ وواجه طَعْن الشانئين له بموت أبنائه الذكور.. مستهزئين بقولهم: أهكذا ترعاك يدُ الله، فيَحرُمَك من الذرية؟
ـ وهم يتطلّعون بهذه الكلمات الساخرة، ومن خلال أحقادهم، أن تنتهي الرسالة بموته (ص).
ـ وتأتي البشارة من السماء.. (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)..
ـ إنا أعطيناك الزهراء..
ـ ليتحقق من خلالها..
ـ وفي ذريتها.. الامتدادُ الرسالي..
ـ بامتداد العبودية الخالصة لله..
ـ وبصفاء الطُّهر في روحانيتِها وتبتّلها إلى الله.
ـ وإذ نعرف أن فطْمَ الحبل قطعُه... فقد اصطفى لها رسولُ الله اسمَ فاطمة.. التي تَقطعُ عنها كلَّ علائق الدنيا، وكلَّ صور الرجس، لتُحلِّق بعيداً في آفاق العبودية لله، ولتسموَ في طهارة روحها عن كل دنس، وليعيذَها وذريتَها من الشيطان الرجيم، وليتقبلها ربُّها بقبول حسن، ولينبتَها في أحضان النبوة نباتاً حسناً.
ـ وكما نزلت سورة الكوثر لتردَّ كيد الشانئين..
ـ ولتبعث اليأس في نفوسهم من القضاء على الرسالة بموت رسول الله..
ـ نزلت آية التطهير، لتؤيس الشيطان، وأولياءَ الشيطان، مِن القضاء على الرسالة بالمكائد التي يريدون بها غوايةَ هذه الصفوة، أو حرفها عن الرسالة، لأن الإرادة الإلهية قد شاءت أن تُذهبَ الرجسَ عن أهلِ هذا البيت وتطهّرَهم تطهيراً.
ـ ومَن أراد أن يكون في نهج فاطمة.. في عليائها.. وفي طُهرها.. فعليه أن يتعلم كيف يزيلُ الرجسَ من عقله، ومِن قلبه، ومن حياته.. أن يتعلم كيف يُطهِّرُ عقلَه من الباطل، وقلبَه من الحقد، وحياتَه من كل ما لا يُرضي الله، لأن ولايتَها في طاعة الله، ولأن التشيع لها لا يكون إلا في تقوى الله.