خطبة الجمعة 3 جمادى الأولى 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: العقيلة زينب: جزع أم صبر جميل؟


ـ (إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً)[المعارج: 19-20].
ـ هذا هو الوصف المختصر لحال الإنسان عندما تحل به المصيبة، فما الذي يمكنه أن يخلق نموذجاً آخر يرتقي ويسمو على هذا النموذج البائس؟ (إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[المعارج: 22-23].
ـ تأتي الصلاة التي يمتزج فيها خشوع الروح بخضوع الجوارح، لتمثّل رأس السلسلة وختامها بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) في مجموعة العوامل التي ذكرتها الآيات ابتداء من الآية 22، إلى الآية 34، والتي يمكنها أن تخلق نموذجاً مختلفاً عن النموذج السائد في ردود فعل الإنسان في مثل هذه المواقف العصيبة.
ـ والصلاة المعنية في الآيات هي الصلاة التي يدرك فيها الإنسان معنى (الله أكبر).. ومعنى (إياك نعبد وإياك نستعين).. ومعنى (بحول الله وقوته أقوم وأقعد).. حينها فقط يستمد المصلي زخَم الارتباط بالقوي العزيز، الذي لا غالب له، وهو السميع البصير.
ـ الصلاة حينما تكون علاقة متميزة بين العبد وربه، يُقبل عليها الإنسان في الأوقات العصيبة، فيخرج من اللاتزان العاطفي المتمثل في الهلع والجزع، لتكون روحُه الروحَ المطمئنة الراضية: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً)[الفجر:27-28].
ـ ومن هنا نجد العقيلة زينب تُقبِل على الصلاة النافلة في جوف الليل بعد سويعات من واقعة الطف، ووقوع السبي بحق حرائر أهل بيت النبوة.. في وسط الذهول والخوف والبكاء والنحيب الذي يلف الأجواء من حولها.
أي اتزان عاطفي يمكن أن يَبقى للإنسان لو تجمعت عليه المصائب وتراكمت عليه المسؤوليات في آن واحد؟
ـ لقد كانت صلاتُها في تلك الساعة كصلاة جدِّها رسول الله(ص) في المسجد الحرام، وقد أغرى المشركون صبيانَهم كي يرشقوه بالحجارة.. وكصلاته عند البيت الحرام حين جاء الخبيث فطرح عليه أحشاء الإبل وهو ساجد لله.. وكصلاة أبيها أمير المؤمنين(ع) وهو في قلب المعركة بصفين والأيدي والرؤوس تتطاير من حوله.. وكصلاة أخيها سيد الشهداء يوم العاشر، ورشقات السهام تنهال عليه من كل ناحية كالمطر.
ـ ومن هنا امتلَكت العقيلة زينب ذلك الصبر الجميل الذي توَّجَتْه على أرض كربلاء وهي تحتضن الجسد الشَّريف المقطّع لأخيها الحسين(ع) وهي تودّعه للمرة الأخيرة فتقول: (اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان).. ووقفت من خلاله أمام الطاغوت لتقول مرة: (ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه، وتختصمون عنده، فانظر لمن الفلج يومئذ).. ولتقول أخرى: (فكِد كيدك واسعَ سعيك وناصِب جَهدك فو الله لا تمحو ذكرَنا ولا تميتُ وحيَنا ولا يرحضُ عنك عارُها وهل رأيُك إلا فنَد؟ وأيامك إلا عدد؟ وجمعك إلا بدد؟ يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين).