خطبة الجمعة 26 ربيع الثاني 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: لماذا خلق الله الإنسان ؟


ـ قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8].
ـ لماذا خلق الله الإنسان، والمفترض أنه يعلم منذ الأزل أن مصير أكثر الناس هو النار؟
ـ هذا الإشكال بات يُطرح بقوة على أبنائنا الشباب من قبل الملحدين واللادينيين بغرض التشكيك في عدالة الله وعلمه وحكمته، وبالتالي التشكيك في وجود الخالق جل وعلا.
ـ كما أنه تساؤل يطرأ على ذهن البعض تلقائياً عنما يقرأ القرآن الكريم وتواجهه آيات العذاب في الآخرة، وآيات من قبيل: (وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) [هود:17]، (فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) [الإسراء:89].
ـ ومن الواضح أن الإشكال ليس متوجهاً إلى أصل الخلق بقدر ما هو متوجه إلى المصير.. ولو التزمنا منذ البداية بأن كل الناس أو أكثرهم في الجنة، لأصبح الإشكال ضعيفاً في وجهة نظر الكثيرين.
ـ وعلى كل حال يمكن الإجابة على هذا الإشكال بصور مختلفة، ومن بينها:
ـ صحيح أن في القرآن حديث عن ضلال أكثر الناس، إلا أن القرآن لا يقول أن أكثر الناس في النار.
ـ قد تقول: أليس ضلالُهم وعدم إيمانهم يستلزم ذلك؟
ـ الجواب: ليس بالضرورة.. فرحمتُه سبقت غضبَه، وفي الحديث النبوي المروي عند السنة والشيعة: (إن لله عزوجل مائة رحمة، وإنه أنزل منها واحدة إلى الأرض، فقسَّمها بين خلقه، بها يَتعاطفون ويَتراحمون، وأخّر تسعاً وتسعين لنفسه يَرحم بها عبادَه يوم القيامة).
ـ وعن الصادق(ع): (إذا كان يوم القيامة، نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته).
ـ وقيل للسجاد: (قال الحسن البصري: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا ؟! فقال(ع): أنا أقول: ليس العجب ممن نجا كيف نجا، إنما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله؟).
ـ ثم لنلتفت أن حساباتنا تختلف عن الحسابات الإلهية: (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا) [الإسراء:100]. هذا فيما يخص الدنيا.
ـ وأما الآخرة فلاحظ كيف أن الحسابات الإنسانية قد تؤدي به إلى النظرة السوداوية والضيقة للتقييم: (وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:111].
ـ حتى أن أحد العلماء قال بشأن الشهداء في جيش أمير المؤمنين(ع) في حروبه الثلاثة: (إن كانت بيعتهم على بيعة الغدير، فهم الشهداء السعداء، وإن كانت على بيعة مَن قبله فالأظهر عندي أنهم ليسوا بناجين)!
ـ قد تقول: هل هذا يعني أن الله سيُدخل أكثر الناس في الجنة، كافرَهم ومؤمنَهم، الصالحَ والطالح؟ هذا ليس عدلاً، وأنا الذي تحملت في الدنيا لإيماني وعبادتي وطاعتي لا أرضى أن يشاركني بالجنة لم يكن كذلك.
ـ الجواب: أولاً، للجنّة مراتب والاختلاف في النعيم بينها كبير، وقد تحدث القرآن عن بعض صور الاختلاف.
ـ وقد تكون بعض هذه المراتب المتدنِّية معزولة تماماً، ولا علاقة لها بسائر المراتب، وليس بينها تواصل.
ـ تخيل أنك تعيش في أجمل بقعة على الأرض في إحدى الجزر ذات الهواء العليل، وفي أرقى الفنادق، وتمتلك رصيداً ضخماً من المال، وحولك مَن تريد من أحبتك، وتتمتع بكل اللذائذ... وآخر يعيش في قارةٍ بعيدة، في ظروف حياتية عادية، مع إمكانات بسيطة للحياة.. ولا يدري أحدُكما عن حال الآخر.. ما يضرك؟
ـ ثانياً، قد يُعاقَب الإنسان في النار على بعض ما قدّم في حياته، ثم يتحوّل إلى الجنة ليخلد فيها ما شاء الله، أو قد يموت وتنتهي حياته.
ـ ثالثاً، للإمام الخميني كلمة تستدعي التأمل، حيث أتى بمقدمتين:
ـ الأولى، أن تأثير التعليم والتلقين والبيئة في متبنَّيات الإنسان تصل به إلى درجة اليقين بصحة دينه أو مذهبه، ولا يحتمل الخطأ... وهذا حال أغلب الناس، ويشمل حتى من هم من طبقة العلماء.
والثانية، أن المتيقِّن من شيء معذورٌ في اتباعه لهذا القطع، ولا يكون عاصياً، ولا تصح عقوبته في متابعته.
ـ ثم قال: (إن الكفار كجهّال المسلمين، منهم قاصر وهم الغالب، ومنهم مقصِّر... والكفار معاقبون على الأصول والفروع، لكن مع قيام الحجة عليهم، لا مطلقاً).
ـ قد تقول: ولماذا أُتعب نفسي إذاً بالإيمان والعبادة والطاعة، وأحرم نفسي مما تشتهي وتستلذ به؟
ـ الجواب: قلنا أنَّ مَن يعلم وقامت عليه الحجة غير معذور في المخالفة، وسيُعاقَب لو خالف.
ـ ثم إن المسألة ليست مجرد الفرار من النار، بل التنافس على مستويات النعيم، حتى أن الكثيرين سيتحسرون على ما فاتهم من النعيم الذي كانوا سينالونه لو أنهم بذلوا قليلاً من الجهد ، ولو على مستوى الذِّكر اللساني.
ـ وأما المجرمون المعتَدون على حق الحياة التي وهبها الله للناس، فقد قال الله تعالى بشأنهم: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93] فقد جعل الله للحياة حُرمةً كبيرة وغلّظ العقوبةَ في انتهاكها، فكيف إذا كانت جريمتُهم تلك قد ارتُكبت في يوم عيد، في بيت الله، حيث يأمن الناس، ويجتمعون للصلاة، ويذكرون الله قياماً وقعوداً؟ هنيئاً لأبطال مسجد الإمام الرضا(ع) بالإحساء، الذين فدوا بأنفسهم لمنع الجريمة الكبرى التي عزم على ارتكابها أولئك المجرمون التكفيريون، خدمةً لأربابهم من الصهاينة والمستكبرين وعلماء السوء والمنافقين.. والدعاء من القلب لذويهم وأحبابهم بالصبر والثواب الجزيل، ولسائر الأرواح البريئة بالسلامة ودفع كيد وشر المعتدين عنهم. اللهم انصر الإسلام وأهله واخذل الكفر والنفاق والإرهاب والظلم والاستكبار وأهله. اللهم اجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم اشغل الظالمين بالظالمين.