خطبة الجمعة 26 ربيع الثاني 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: جوزة أم لؤلؤة ؟


ـ في وصية الإمام الكاظم(ع) لصاحبه هشام بن الحكم: (يا هشام، لو كان في يدك جوزة، وقال النّاس في يدك لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزة! ولو كان في يدك لؤلؤة، وقال النّاس إنَّها جوزة، ما ضرّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة).
ـ الإنسان بحاجة إلى تقييم الآخرين له، فقد تغيب عنه بعض الأمور السلبية في شخصيته، نتيجة:
1ـ التعود عليها
2ـ أو تصور عدم أهميتها
3ـ أو باعتقاد أنها ليست سلبية، بينما يكون الواقع خلاف ذلك.
ـ ولذا قال الإمام علي(ع): (إنَّما سُمِّيَ الصَّديقُ صَديقاً لِأَنَّهُ يَصدُقُكَ في نَفسِكَ ومَعايِبِكَ، فَمَن فَعَلَ ذلِكَ فَاستَنِم إلَيهِ؛ فَإِنَّهُ الصَّديقُ)، وعن الصادق(ع): (أحَبُّ إخواني إلَيَّ مَن أهدى إلَيَّ عُيوبي).
ـ بل وحتى في الجوانب الإيجابية هناك حاجة إلى بيانها من قبل الآخرين فلربما غابت عنك بعض الإيجابيات التي تتمتع بها، فلا تهتم بشأنها، ولربما ضعُفت همتك نتيجة عدم التشجيع... فالثناء يُعطي ثقة بالنفس.
ـ وإذا كان ذكر السلبيات يحتاج إلى أدب وأسلوب خاص كي لا تجرح المُعاب، فإن ذكر الإيجابيات يحتاج إلى فطنة كي لا تتحول إلى سبب لغرور الممدوح وتكبره وعجبه بنفسه، فتتحول الإيجابية إلى سلبية.
ـ ولكن الإمام الكاظم في هذه الوصية ينبّه إلى أن لا نُقصر ثقتنا بأنفسنا وتقييمنا لها على ما يقوله الآخرون.
ـ فهناك من يحسدك..
ـ وهناك من يجهل حقيقتك، لأنه يعلم الظاهر الحسن ولا يعرف الباطن السيء
ـ وهناك من يسعى لتدمير ثقتك بنفسك
ـ أو موقعك في العمل
ـ أو علاقاتك الاجتماعية
أو حياتك الزوجية، وغير ذلك ...
ـ فالإمام(ع) يقول: عليك أن تدرس الأمور بنفسك، وأن تدرس حقيقتها، من دون أن تعيش انتفاخ الشخصيَّة، ومن دون أن تعيش في الوهم فتنحرف بتصوّراتك عما يمكن أن يوصلك إلى ما هو حق.
ـ اعرف نفسَك في نقاط ضعفها ونقاط قوَّتها، وفي سلبيّاتها وإيجابيّاتها، وقارن ذلك مع تقييم الآخرين، فإذا اكتشفت أنَّك تعيش في نقطة ضعفٍ ما في نفسك، فعليك أن تحاول إصلاح ذلك.
ـ فإذا لم تستطع أن تُصلح نفسك، فلا يخدعنك التقييم الخاطيء من الناس، فستحصد أنت النتيجة السلبية، وقد روي عن علي(ع) أنه قال: (لا يغرّنَّك سواد النّاس عن نفسك، فإنَّ الأمر يصل إليك دونهم).
ـ هناك نموذج من الناس إذا تعاملت معه تتمنى لو أنك اكتفيت بما سمعت عنه، لأن ما سمعت عنه خيرٌ مما وجدته عليه.. وهناك نموذج آخر إذا تعاملتَ معه، وجدته خيراً مما سمعتَ عنه.. فكن من النموذج الثاني.
وأختم مع هذه الكلمات العلَوية في وصف المتقين: (لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متِّهمون، ومن أعمالهم مُشفِقون، إذا زكى أحدُهم خاف مما يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي منِّي بنفسي. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون).