خطبة الجمعة 19 ربيع الثاني 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: عباد الرحمن


(وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63]
ـ هذه هي صورة العبودية الحقة لله سبحانه، والتي لا تنحصر في الجانب العبادي بالمعنى الخاص كالصلاة والصيام، كما في الآية التي تليها (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)[الفرقان:64]، بل إن عبادتهم، وفهمهم الصحيح للعبودية يتحول إلى عنوان لشخصيتهم، وينعكس بشكل واضح على سلوكهم في الحياة.
ـ فهم الطيّبون الخيّرون الذين لا يجد الناس عند التعامل معهم إلا المحبة والكلمة الطيبة والأخلاق الرفيعة: (يا علي، ينبغي أن يكون في المؤمن ثمان خصال: .... بدنُه مِنه في تعب، والناسُ مِنه في راحة).
ـ إن الله ليس في حاجة إلى صلاتكم، ولا يطمع في صيامكم، ولا يغرُّه قيامكم في الليل.. بل يريد من ذلك أن يكون الزاد الذي يجعل المؤمنين يتعاملون فيما بينهم ومع سائر الناس، بما يُرضيه.
ـ وهل التكبر يُرضي الله؟ (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا).. وهل سوء المعشر يُرضي الله؟ (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا).. وهل مضايقة الخلق تُرضي الله؟ (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا).. وهل السخرية واحتقار الآخرين يُرضي الله؟ (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا).
ـ وأما ردة الفعل على الإساءة بالشتم، أو بالاستهزاء، أو بالتحقير، أو بالفعل القبيح، فلها قصة أخرى.
ـ غريزة الغضب هي التي تدفع الإنسان إلى الرد على العدوان.. وهي غريزة مهمة وضرورية، ولكن يجب السيطرة عليها.. وهذه هي ميزة عباد الرحمن، فالرحمة فعّالة في نفوسهم، ويستمدونها من معبودهم.
ـ فهم يدركون أن ما صدر من الآخَر من إساءات إنما صدر عن جهل، لسوء تربية، أو لعقدة يعانون منها، أو لبيئة متردّية تأثروا بها، أو حقداً، أو حسداً، وأمثال ذلك.
ـ ولذا، فهم مِن جهة لا ينحطّون إلى مستوياتهم المتدنّية، لأنهم يَسمُون بأرواحهم تعلّقاً بالله.
ـ ومن جهة أخرى لا يعيشون القسوة في ردود أفعالهم، بل هي مرددة بين التجاهل وبين الكلمة اللطيفة، لأن الذي ينتسبون إليه بعنوان العبودية هو الرحمن.
ـ إن روحية عباد الرحمن هي روحية السلام التي تؤهّلهم أن يرثوا دار السلام في نهاية المطاف: (فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّـهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ، وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ، لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون)[الأنعام:125-127].