خطبة الجمعة 12 ربيع الثاني 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: العدل أمان المجتمعات


(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
ـ للعدل والظلم حضور في كل مفاصل حياة الإنسان.. في بيته، وفي الشارع، وفي محل عمله، وفي السوق، وفي الإدارات، وفي المحاكم، وغير ذلك.
ـ ولو رجعنا إلى القرآن لوجدنا عشرات الآيات التي تتحدث عن العدل من خلال استعمال كلمة (عدل) أو (قسط) باشتقاقاتهما، وبأجمعها تؤكد على هذا الأمر، وأنه الركيزة لبناء المجتمع القوي والمتماسك.
ـ بل تحدث القرآن الكريم عن أن من أبرز مهام الأنبياء(ع) السعي لتحقيق العدالة في المجتمعات: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد:25].
ـ والحديث المتفق عليه عند المسلمين حول ظهور المهدي(ع) في آخر الزمان يرتكز حول عنوان العدل دون أي عنوان آخر: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
ـ واعتبر القرآن الكريم أن لا شيء يقف بين العدل والعمل به، لا العنوان الديني، ولا الاختلاف العرقي، ولا طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين، ولا صلة القرابة، ولا التمايز في القيمة الاجتماعية، ولا أي شيء آخر.
ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)[النساء:135].
ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8].
ـ لأن الظلم لا نتيجة له سوى التدمير التدريجي لكل مقومات وأسس القوة والتماسك والنمو في المجتمع.
ـ ابن خلدون في مقدمته يقول عن نتائج الظلم بصوره العديدة: (ووبال ذلك كلُّه عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتُها، لإذهابه الآمال من أهله.... ويتطرق هذا الخلل على التدريج ولا يُشعر به).
ـ فالتاجر إذا خاف الظلم استثمر أمواله في الخارج، والمواطن الذي يقع عليه الظلم قد يهاجر إلى حيث يشعر بالأمن ويجد العدل، والموظف الذي يعاني من الظلم لن يكون مخلصاً في عمله، وعلى هذا فقِس، وكما قال تعالى:(فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ)[الحج:45].
ـ ولنا تتمة في الحديث حول هذا الموضوع في الخطبة الثانية بإذن الله. اللَّهُمَّ يَامَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنْبَآءُ الْمُتَظَلِّمِينَ، وَيَا مَنْ لاَ يَحْتَاجُ فِي قِصَصِهِمْ إلَى شَهَادَاتِ الشَّاهِدِينَ، وَيَا مَنْ قَرُبَتْ نُصْرَتُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ، وَيَا مَنْ بَعُدَ عَوْنُهُ عَنِ الظَّالِمِينَ، صل على محمد وآله وكَمَا كَـرَّهْتَ إلَيَّ أَنْ أَظْلِمَ فَقِنِي مِنْ أَنْ أُظْلَمَ.