خطبة الجمعة 28 ربيع الأول 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: بناء الثقة وتضخم الذات


ـ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف:100].
ـ في سورة يوسف حيث تتناول السورة قصته (ع) في 97 آية متتالية، الكثير من العبر والمفاهيم والعظات.
ـ من بينها التأكيد على مركزية الدور الإلهي في ما يتحقق للإنسان من خير في هذه الحياة.. وهو ما نلحظه في أكثر من موقع من بينها ما جاء في الآية السابقة.
ـ قال: (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) فالنبي يوسف بعد أن تحقق له ما تحقق من خير كثير غير متصور أصلاً، لم ينسب النتائج إلى نفسه.. لم يقل أنا الذي صبرت وأنا الذي فكرت.. وأنا الذي حوّلت السلبيات إلى إيجابيات.. بل الله هو الذي منَّ عليَّ بكل ذلك.
ـ قال تعالى: (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) فلو تمثلت الطاقة البشرية في شخصٍ كرسول الله، والإمكانات المادية بكل كنوز الأرض وخيراتها، فلن يتحقق شيء، لولا الله.
ـ اليوم في بعض برامج التربية والتدريب كتنمية الذات، هناك ملاحظة بخصوص هذه النقطة (الأنا).
ـ فقد جاءوا ليُصلحوا خلل انعدام الثقة بالنفس، أو الاكتئاب، أو عدم الإنتاجية، فرفعوا المنسوب العائد إلى (الأنا) على حساب الحقيقة الإيمانية السابقة، وبالتالي عولج خلل، ولكن المعالجة أدَّت إلى خلل آخر على المستويين النفسي والسلوكي: الأنانية المفرطة، والالتصاق بالدنيا، ونسيان دور الله في الوجود.
ـ بينما يقول تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[الإنسان:30]، ويقول سبحانه: (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النساء:79].
ـ ومن هنا ذمّ الله قارون على نظرته القاصرة: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي) وكأنه يقول: لا دخل لله في ذلك، والمال الذي جمعته إنما حققته بجهدي وذكائي (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)[القصص:78].
ـ هذا هو منطق الغافلين الذين تعاظمت عندهم الأنا، وارتبطوا بالأمور بشكل مباشر وسطحي، ولم ينفذوا إلى أعماقها في جذورها الممتدة إلى الله، فهو الذي يعطي بإرادته، وهو الذي يمنع ويأخذ، ولا يملك أيّ شخصٍ الخلاص من ذلك مهما كان قوّياً في جسده، أو غنياً في ماله، أو ممتداً في مركزه. ومسؤولية المربِّين والقائمين على برامج تنمية الذات أن يرسّخوا هذه الحقيقة الإيمانية، وهم يوجِدون أو يعيدون الثقة في نفوس الآخرين، ويدفعونهم إلى بناء الشخصية من خلال البرامج التدريبية المختلفة.