خطبة الجمعة 14 ربيع الأول 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: إن استطعت فاذنب ما شئت


ـ روي أن رجلاً قال للإمام الحسين(ع): (أَنَا رَجُلٌ عَاصٍ وَلَا أَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ. فَقَالَ(ع): افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ! فَأَوَّلُ ذَلِكَ: لَا تَأْكُلْ رِزْقَ اللَّهِ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. والثَّانِي: اخْرُجْ مِنْ وَلَايَةِ اللَّهِ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. وَالثَّالِثُ: اطْلُبْ مَوْضِعاً لَا يَرَاكَ اللَّهُ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. والرَّابِعُ: إِذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ، وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ. وَالْخَامِسُ: إِذَا أَدْخَلَكَ مَالِكٌ فِي النَّارِ فَلَا تَدْخُلْ فِي النَّارِ، وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ).
ـ مَن يستغرق في سُكرِ القوة، وسُكرِ الشباب، وسُكرِ المال، وسُكرِ الملذات، قد لا تنقدح في ذهنه مثل هذه الحاجة للموعظة، وقد يستسخفها.. ولربما يهزأ بالآخرين الذين يُبدونَها.. لأنه نسي كل شيء إلا ما يتمتع به، وقد يستغرق في ما هو فيه إلى أن لا يجد لنفسه طريقاً للعودة، أو يفاجئه الموت.
ـ ولكن من يعاني من النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على ما يرتكب من معاصي، في الوقت الذي يجد نفسه تنازعه لارتكابها ـ لما يجد فيها من لذة، أو لتعوّده عليها بحيث تتحول العادة عنده إلى ما يشبه حالة الإدمان ـ فإن هذا الإنسان بحاجة إلى الصدمة التي تصحح مساره.
ـ وكلمة الإمام الحسين(ع) السابقة تمثل الصدمة لسامعها.. صدمة الحقيقة التي يؤمن بها هذا السائل ويحاول الهروب منها تحت إلحاح الشهوة والتعلق بالدنيا.
ـ وأما من لا يتفاعل مع هذه الحقائق التي قدمها الإمام الحسين(ع) لو ذُكِّر بها وفهمها فإما:
1. أنَّ لديه خللاً في إيمانه، إذ لا يؤمن إيماناً حقيقياً بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب.
2. أو أنه يعيش طول الأمل والتسويف والغفلة وهو مرض خطير، وقد روي عن علي(ع): (أيها الناس، إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم: طولُ الأمل واتباعُ الهوى؛ فأما طولُ الأمل فيُنسي الآخرة، وأما اتباعُ الهوى فيصدُّ عن الحق؛ ألا إن الدنيا قد ولَّت مُدبرة، والآخرة مُقبلة، ولكلِّ واحدٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل).
3ـ أو أنَّ لديه خللاً في المفاهيم من قبيل الركون إلى الشفاعة مع الإصرار على الكبائر، وقد قال تعالى مؤيِساً من هذا الأمل الخادع: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)[النساء:123]، ويقول: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:28].
إن القرآن الكريم يضعنا أمام حقيقة مخيفة حيث يقول سبحانه: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) فهل من مدَّكِر؟ فهل من تائب؟