خطبة الجمعة 15 صفر 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: ثلاثة وثلاثة


ـ عن الرضا(ع) أنه قال: (إنّ الله عزّ وجلّ أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى، أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلّى ولم يزكِّ لم تُقبل منه صلاتُه، وأمَر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله عزّ وجلّ، وأمر باتقاء الله عزّ وجلّ وصلة الرحم، فمن لم يصِلْ رحمَه لم يتقِّ الله عزَّ وجلَّ).
ـ هذا الاقتران الذي ينبِّه عليه الإمام الرضا(ع)، للدلالة على أهمية هذا المقترِن.
ـ فالمسلم يولي عناية خاصة بالصلاة، إذ يعلم أنها عمود الدين، وأنها إن قُبلت قُبِل ما سواها، وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها، وأن ليس بين الإيمان والكفر إلا ترْك الصلاة، ولكن لربما كان العامل الأهم بالنسبة لكثيرين أن الصلاة لا تُكلِّف الإنسان بذلاً مادياً، فهي بالتالي خفيفة على النفس مقارنةً بالزكاة.
ـ والإمام(ع) ينبّه إلى أن نظرتنا إلى الزكاة (كعطاء مادي بعناوينه ومصاديقه المختلفة كزكاة المال والخمس وزكاة الفطرة) من حيث اللزوم والأهمية يجب أن ترتقي لتكون في مصاف لزوم الصلاة وأهميتها.
ـ بل لو التزمْتَ الصلاة ولم تلتزم الزكاة فإنَّ صلاتك هذه لا قيمة لها، لأن الله لا يريدها لوحدها، بل هي مع الزكاة.
ـ ومن هنا نجد أن الله تعالى في سورةالتوبة حيث يتحدث عن مواجهة المشركين المتمردين يشترط في تحقق توبتهم من خلال إعلان إسلامهم أن يكون مقروناً بفعل عملي، وهذا الفعل من جناحين، أحدهما الصلاة، والآخر الزكاة.
ـ قال تعالى في الآية الخامسة: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) وفي الآية الحادية عشرة: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ).
ـ وفي سورة البقرة لم يتجاوز عنوان الإيمان بالله إلى الإيمان بالنبوة حتى ذكَر هذين الأساسين العمليين: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)[2-3].
ـ وهكذا نجد الأمر في القرينين التاليين، شكْر الله وشكْر الوالدين حيث يقول سبحانه: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان:14]. حيث قد يُكثر الإنسان من قول (الحمدلله) وينسى أن يشكر والديه من حين لآخر.
ـ ثم في التقوى وصلة الأرحام، حيث قال: (وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)[النساء:1]، حيث لابد أن ترتفع أهمية صلة الأرحام عند المؤمن إلى المستوى الذي ينظر فيه إلى التقوى كعنوان حاسم في تديّنه.
ـ لقد أراد الإمام الرضا (ع) من خلال كلمته هذه أن يؤكد على أهمية بعض الأمور التي يتهاون فيها الناس، إما لبخلٍ فيهم، أو لعدم إدراك أهميتها، أو بسبب بعض الظروف الاجتماعية أو الحالات النفسية التي تدفع الإنسان إلى ترك ما يجب الالتزام به شرعاً. ومن هنا يذكّرنا (ع) بأن نرفع الزكاة لتكون في مصاف الصلاة، وأن نهتم بشكر الوالدين كما نشكر الله كثيراً، وأن نحرص على صلة الإرحام حرصنا على التزود من التقوى.