خطبة الجمعة 8 صفر 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: سلامة الفكر


ـ عن الإمام المجتبى(ع) أنه قال: (عَـجِبْتُ لِمَنْ يَتَفَكَّـرُ فى مَـأْكُولِهِ كَيْـفَ لا يَتَفَـكَّـرُ فى مَعْـقُـولِهِ، فَيُجَنِّبُ بَطْنَهُ ما يُؤْذيهِ، وَ يُودِعُ صَدْرَهُ ما يُرْدِيهِ).
ـ من الطبيعي والضروري أن يهتم الإنسان بنوعية غذاء جسمه، وسلامته من المؤذِيات.. فسلامة الجسد ضمانة الاستمرار في الحياة ما شاء الله لهذا الإنسان أن يبقى، ومقدِّمة ضرورية للعطاء والإنتاج.
ـ وكما يحتاج الجسد إلى الغذاء، وأن يكون غذاء سليماً، فإن العقل يحتاج إلى الغذاء، وأن يكون غذاءً سليماً.
ـ ولكنْ ما أكثر الذين يولون اهتماماً بسلامة المأكول، ولا يولون مثل هذا الاهتمام لغذاء عقولهم، في الوقت الذي تتحدد فيه قيمة الإنسان بمقدار ارتقائه الروحي والمعرفي والأخلاقي.. وقد روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: (من كانَت هِمَّتُهُ ما يَدخُلُ بَطنَهُ، كانَت قِيمَتُهُ ما يَخرُجُ مِنهُ).
ـ وعنه (ع) أنه قال: (أَمْقَتُ العِبادِ اِلى اللهِ سُبْحانَهُ مَنْ كَانَ هَمُّه بَطنَهُ وَفَرْجَهُ).
ـ وكما أن في المعروض ما هو غذاء جالبٌ لأمراض الأجساد، فإنَّ في عالم الفكر والثقافة ما يجلب أمراض العقول.
ـ واليوم تتجلى صورٌ عديدة ومتنوّعة لمثل هذه الأمراض:
ـ الإلحاد واللادينية التي تغزو مجتمعاتِنا بعنوان التنوير.
ـ والأنانية التي تدمّر أرواحَ شبابِنا بذريعة الليبرالية والتحرر.
ـ ثم التطرّف والكراهية التي تُشرعَن بذريعة الانتصار للدين والمذهب.
ـ وخزعبلات الملل الوثنية التي تُلبس ثوب الإسلام وتُقدَّم تحت اسم علوم الطاقة وعلم الفيدا وأمثال ذلك.
ـ إنها الثقافات السقيمة والضارّة التي يجب أن نحذَر أن تُسمِّم عقولَنا وأرواحَنا وأخلاقَنا، كما نحذر أن نُسمِّم أجسادَنا بالطعام الملوَّث والفاسد.
ـ إن مسؤولية الفرد تجاه نفسه، ومسؤولية الوالدين تجاه الأبناء، لا تقتصر على توفير ما له علاقة بالجانب المادي من الحياة ببناء الأجساد وضمان سلامتها وتلبية احتياجاتها، فهذا إنما يمثّل جزءً من الصورة، وأما الأجزاء الأخرى من الصورة فتختص بسلامة الروح وبناء العقل وتكامل الأخلاق، وهي مسؤوليتنا أيضاً تجاه أنفسنا وتجاه أبنائنا.