خطبة الجمعة 1 صفر 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: شر الاستعجال


ـ قال تعالى: (خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ)[الأنبياء:37]، وقال تعالى: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا)[الإسراء:11].
ـ صفة العجلة من طبيعة خلق الإنسان وتكوينه، إذ يغفل أو يتغافل عن الشروط والمقدمات المطلوبة لتحقق الأمر، ويريد القفز عليها ليصل إلى النتيجة، التي لربما لا يصل إليها أحياناً بسبب هذا الاستعجال.
ـ وهكذا يستعجل الإنسان في إصدار الأحكام رضاً بواقعه أو خوفاً من الجديد، أو انتصاراً للذات أو لغير ذلك.
ـ وقد كانت المشكلة التي تواجه الأنبياء (ع) أحياناً هي استعجال الناس برفض الدعوة والأفكار المقدَّمة من قِبَلهم، فنجد مواقف السخرية والاستهجان والاحتقار حاضرة قبل التفكير، لركونهم واستئناسهم بل وتقديسهم لما اعتادوا عليه.
ـ ومن هنا أراد الله أن يوجهنا إلى عدم تكرار هذا الخطأ في سلوكنا وأن نتأنّى... ولا يخص هذا ما له علاقة بالدين، بل يشمل ما له علاقة بالحياة الزوجية والصداقة والعلاقات السياسية والاجتماعية وغير ذلك.
ـ ولو أردنا تقييم سلوكنا، فإننا سنجد أننا غير بعيدين عن هذه السلبية، من خلال إصدارنا الأحكام على المواقف وعلى الناس وعلى الأفكار الجديدة حتى قبل أن نعرف أسبابها أو أدلتها.
ـ وقد يكون أحياناً لسوء الظن بالآخر أو المشاعر السلبية تجاهه مدخلية في التسرع في الحكم، وقد نبّهنا الله إلى خطأ ذلك إذ قال سبحانه: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[المائدة:11].
ـ كما قد يكون حب الآخر أو الإعجاب به أو الرضا عنه أو الانبهار بظاهره الخارجي من دواعي الاستعجال في الحكم بالموافقة والقبول، دون دراسة متأنية لواقع الشخص أو الأمر وكقول الإمام الشافعي: (عينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلةٌ) وعلى قاعدة المثل الشعبي: (لي حبتك عيني ما ضامك الدهر).
ـ ولكن تأتي الصدمة حين تتضح الحقيقة المرّة، حين نصطدم بالواقع السلبي لِمَا استعجلنا فيه، وقد يكلفنا الخلاص منه الكثير الكثير.
ـ فلندرس الأمور الحادثة والأفكار المستجدة في عمقها وبأدلتها ومعطياتها بعيداً عن الظاهر السطحي، وبغض النظر عن مشاعرنا وآرائنا السابقة، فما قد نجده جميلاً في ظاهره قد يكون قبيحاً في العمق، والعكس صحيح، وكما قال أمير المؤمنين علي(ع) في ما روي عنه: (العجل يوجب العِثار)، العثار في الحفر الفكرية والاجتماعية والسياسية، الأمر الذي يستدعي منا أن نتريث، فلا نبدأ قبل أن نُشبع الأمر درساً، فإن كان خيراً سِرنا فيه، وإن كان شراً توقفْنا عنه، وقد وهبَنا الله العقل لكي نستعملَه، لأن العقل فكر ودراسة، والغريزة عجلة وسرعة، فلنفكّر في ذلك كله كي نقلل من عثراتنا في أمور الدنيا والآخرة.