خطبة الجمعة 24 محرم 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: لماذا خلق الله الشر ؟


ـ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء:35].
ـ الشر قد يكون:
1ـ طبيعياً كما في الزلازل والبراكين والفيضانات والصواعق والمجاعات والأمراض والفيروسات، والإعاقات الجسدية التي يولد بها الإنسان، والحيوانات المفترسة، والزواحف السامة، وأمثال ذلك.
2ـ أو سلوكياً من قبيل الحروب والقتل والاضطهاد والتعذيب وما إلى ذلك.
ـ والإشكال القديم المتجدد الذي يُطرح من قبل الملحدين واللادينيين بهذا الخصوص يتلخص في التالي: إذا كان الله الرحمن الرحيم من جهة، والقدير على كل شيء من جهة أخرى، موجوداً، فكيف يسمح بإيجاد أو خلق أو حصول هذه الشرور؟
ـ فبما أن الرحمة من صفاته اللازمة، فمن المفترض أن لا تسمح رحمته بأن يتعذب طفل أو يحترق إنسان أو تتوالى المصائب على رأس الفقير المستضعَف، وغير ذلك من الحالات التي يقع فيها الشر.
ـ وإذا كان على كل شيء قدير، فلِمَ يخلق ويسمح لمسببات الشر أن توجد أو تحدث؟
ـ إن هذا يدل ـ بحسب إشكالهم ـ على عدم وجود الرحمن الرحيم، والقدير على كل شيء.. أي عدم وجود الله!
ـ هذا الإشكال انشغل به العلماء والفلاسفة، قبل الإسلام بقرون، وأُلِّف فيه ما أُلِّف، وما زال يُحدث هزّة أو رِدّة إيمانية عند البعض خاصة إذا عانوا في الحياة من بعض هذه الشرور. فما هو الجواب على ذلك؟
ـ ما كُتب وقيل في الرد على الإشكال ـ قديماً وحديثاً ـ متعدد الأساليب والاتجاهات، وسأحاول طرح البعض منه. والإجابات التالية بعضها قد يناسب الإشكال ككل، وبعضها يمثّل رداً على حالات خاصة منها:
1ـ إذا أردنا أن نجيب مَن يؤمن بوجود الآخرة، فينبغي أن نذكّره أولاً أن هذه الحياة ليست خاتمة المطاف لوجود الإنسان، بل بمثابة صفحة في كتاب ضخم مكوّن مما لا يُحصى من الصفحات يمثّل حياته كلها.
ـ فإذا مات الطفل بصورة مفجعة مثلاً، فقد انطوت هذه الصفحة المختصرة، وتنتظره حياة سعيدة في جنة الله.
ـ وإذا وُلد الإنسان بإعاقة وصبر عليها، كان لهذا الصبر عطاءً يَغبِطه عليه الآخرون يوم القيامة.
ـ وعلى هذا فقس سائر الشرور التي تقع وتؤلم الإنسان، ولا يؤدِّي به ذلك إلى الكفر والتمرد على الله.
2ـ أنا لست لوحدي في هذه الحياة، بل هناك منظومة متكاملة من المخلوقات تتشارك في هذه الحياة وتتزاحم فيما بينها، وكلٌّ منها يحتاج إلى نوعٍ من الغذاء، ووسيلة دفاع عن النفس وما إلى ذلك.
ـ وما أعتبره أنا شراً بالنسبة لي كسم الأفعى، هو خير بالنسبة إليها لتضمن بقاءها.
ـ بل لو وضعت نفسي مكان هذه الأفعى لربما قلت: لماذا خلق الله الإنسان القوي بهذا العقل الجبار؟
ـ أي أن النظرة الأحادية الجانب التي ننظر بها إلى الأمور تدفع إلى طرح مثل هذا الإشكال، بينما لو نظرنا إلى الصورة الكلية لتفهَّمنا المسألة بشكل أوضح ولزال عنا هذا الوهم.
3ـ ما أعتبره شراً ليس شراً خالصاً، بل فيه خير، وهذا الخير لربما يكون أضعافاً مضاعفة قياساً إلى الشر المتحقق.
ـ فالزلازل والبراكين مثلاً هي شرور بالنسبة إلى مَن عانوا منها، ولكنها بالنسبة إلى مليارات البشر، بل ولبقاء الحياة ككل على الأرض، بل واستمرار وجود الكرة الأرضية أمرٌ حاسم، لأنها متنفَّس الكرة الأرضية.
ـ وهذه المصاعب والشرور التي يعاني منها الإنسان تجعله أصلب عوداً، وبتعبير الإمام علي(ع): (ألا وإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالْرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ) المدلَّلة بتوافر الماء والغذاء (أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ) المعتمدة على المطر فقط (أَقْوَى وَقُوداً، وَأَبْطَأُ خُمُوداً) ففائدتها أكبر.
ـ بل وتدفعه إلى الإبداع والتطوير من أجل مواجهتها مستقبلاً والتغلب عليها. ولو أخذنا مفردة المرض كمثال على الشر، فإنه يدفع إلى اختراع الأدوية، ووسائل الوقاية، وتطوير الجوانب الصحية الحياتية.. إلخ.
4ـ الوجود ليس شراً محضاً، بل الشر لا يمثِّل في حياتنا إلا شيئاً بسيطاً منها.. ولكن الإنسان بطبيعته (إِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا)[الإسراء:83]، (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا)[المعارج:19-20]. فلم التغافل عن أصناف الخير التي يتنعّم فيها الإنسان على مدى عقود من حياته، والتركيز على بعض الشرور التي تُعتَبر حالات استثنائية في حياة الفرد؟
5ـ من الشرور ما يكون نتاج كسب الإنسان نفسه، كما جاء في قوله تعالى: (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)[الأنفال:52]، فإذا تلاعب في النظام البيئي مثلاً بشكل مسرف، فإن الخلل الناتج سيصيبه بالشر.. ومثال ذلك مسألة الانبعاث الحراري وتبعاته على مستوى الكرة الأرضية.
ـ وإذا سكت الإنسان عن الظالم وأعانه، ارتدَّ الظلم على الناس، وشمله هو ولو بعد حين (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41].
ـ إن وجود الشر ـ بأنواعه ـ في الحياة لا يتنافى والإيمان بوجود الله الرحمن الرحيم الذي لا غالب له وهو على كل شيء قدير. وعلى الإنسان أن يقرأ كتاب الحياة في آفاقه المتعددة وتنوعاته الكثيرة، لا أن يستغرق ـ بنظرة أحادية قاصرة ـ في سطرٍ من كتاب الوجود وينسى كلَّ الصور الجميلة، ثم يتغافل بعد ذلك عن الحياة الآخرة وما فيها من نعيم مقيم وخيرٍ محض متى ما قدَّم لها ما تتطلبه من ثمن على مستوى الإيمان والتقوى والعمل الصالح.