خطبة الجمعة 24 محرم 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: أحبونا حب الإسلام


ـ روى المجلسي في البحار عن الشيخ المفيد في الإرشاد عن ابن شهاب الزُّهري قال: (حدثنا علي بن الحسين (ع) وكان أفضل هاشمي أدركناه، قال: أحبونا حب الإسلام، فما زال حبكم لنا حتى صار شيناً علينا).
ـ فكيف يكون حبهم سبباً لما هو شين لهم؟ بيّن المجلسي ذلك بقوله وهو يشرح الخبر: (أي أحبونا حباً يكون موافقاً لقانون الإسلام ولا يخرجكم عنه، ولا زال حبكم لنا حتى أفرطتم وقلتم فينا ما لا نرضى به، فصرتم شيناً وعيباً علينا، حيث يعيبوننا الناس بما تَنسبون إلينا).
ـ وفي رواية أخرى رواها أبونعيم في (حلية الأولياء) والذهبي في (سِيَر أعلام النبلاء) ما يؤكد هذا المعنى: (عن علي بن الحسين(ع) قال: يا معشر أهل العراق، يا معشر أهل الكوفة، أحبونا حب الإسلام، ولا ترفعونا فوق حقنا).
ـ وفي كتاب (الذرية الطاهرة النبوية) للدولابي رواية ثالثة عن يحيى بن سعيد قال: (كنت عند علي بن الحسين فجاءه نفر من الكوفيين، فقال لهم علي بن الحسين: يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول الله (ص): يا أيها الناس لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله عزوجل قد اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً).
ـ الإنسان في حياته الاجتماعية إذا أحب شخصاً، فإنه قد يستغرق في حبه بحيث ينسى بعض الحدود الشرعية، ولربما ارتكب المعصية إرضاءً لمحبوبه.
ـ وهذا ما نجده في قصة حاطب بن أبي بلتعة قبيل فتح مكة، حيث بادر بإرسال خبر الغزوة إلى أهله في مكة لأخذ الحذر من مباغتة النبي لهم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) فما الذي دفعه لذلك؟ الآية توضح الدافع: (تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)(الممتحنة:١).
ـ ومن هنا حذَّر الإسلام كذلك من الاستغراق في حب الأشخاص المقدَّسين بالصورة التي يتجاوز فيها الإنسان الحد، سواء على مستوى المشاعر، أو الفكر، أو السلوك... وهو ما نجده ماثلاً في قصة المسيح (ع).
ـ وتحذير الإمام زين العابدين (ع) يأتي في هذا السياق، حرصاً على سلامة الحالة الإيمانية عند محبي أهل البيت (ع)، تماماً كما كانوا حريصين على تأكيد ضرورة محبَّتهم واتِّباعهم وتولّيهم.. ومثال ذلك ما روي عن علي (ع) أنه قال: (هلك فيّ اثنان: مُبغضٌ قال، ومُحبٌّ غال).
ـ إن مسؤولية الانتماء إلى مدرسة أهل البيت (ع) تستوجب منا في هذه الأيام التي تلتهب فيها العاطفة مع إحياء ذكرى عاشوراء وما وقع فيها من ظلامات بحق آل البيت، أن لا يتحوّل حبنا إلى حالة سلبية من خلال قبولنا وتداولنا لكل ما يُقال ويُنقل تحت اسم فضائل أهل البيت، وفيها روايات موضوعة تسيء إليهم، ويكون شيعتهم من خلالها شيناً لهم لا زيناً. فلنحب أهل البيت (ع) حب الإسلام الذي لا نَخرج به عن حد الاعتدال، ولا نتجاوز به قواعد الإيمان، ولا نقدِّم التشيّع من خلاله في صورة سلبية تنفِّر الناس، ونُساءل عنها يوم القيامة.