خطبة الجمعة 17 محرم 1437 : الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الرد على شبهة الخوف وقرابين الآلهة


(وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الروم:24].
ـــــ عُرف عن الأمم الوثنية أنها تتعامل مع الظواهر الطبيعية المخيفة من خلال تقديم القرابين لآلهتها المزعومة، بما في ذلك القرابين البشرية، إيماناً منها بأن تلك القرابين ستهدّيء من غضب الآلهة.
ـــــ وقد عمد الملاحدة واللادينيون إلى إقحام الإسلام ضمن سلوكيات هذه الأمم الوثنية في تعاملها مع هذه الظواهر، معتبرين أن الحج وتقديم الأضاحي وصلاة الآيات والكفارات ما هي إلا نماذج من هذا القبيل.
ـــــ والواقع أن الأمور المذكورة بعيدة عن التصورات الوثنية وهي تمثل وسائل لتنمية التقوى في الإنسان المسلم.
ـ والتقوى تعني تصحيح السلوك البشري في هذه الحياة على المستوى الشخصي والاجتماعي، بالإضافة إلى ما له علاقة بالآخرة، حيث يثيب الله عباده الذين نجحوا في تحقيق هذه التقوى بما حقق لهم الصلاح فيها.
ـ ولو أخذنا مفردة العطاء بالكفارات والزكوات والأضاحي والصدقات والتي يشبهونها بالقرابين، فإننا سنجدها تصب في مصلحة تقوى الإنسان من جهة شخصية، حيث يتحرر من الأنانية وعبادة المال والطمع والبخل.
ـ ومن جهة أخرى فإن كثيراً من صور العطاء إنما تمثّل جهداً لتخفيف معاناة البؤساء وأصحاب المعاناة من المتعففين، لا كما عليه الحال عند الوثنيين، حيث تُوظَّف تلك القرابين لمصلحة الكهنة، أو تضيع دون أن يستفيد منها أحد، أو تكون نوعاً من الظلم بحق الآخرين، كما في حالة تقديم القرابين البشرية.
ـــــ وهذا ما نجده واضحاً في قوله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج:36-37].
ـ إن الله هو الغنيّ عما في أيدي الناس، وهو خالقها وخالق الناس جميعاً، وهو لم يتعبّدنا في الشدة والرخاء، وفي الخوف والرجاء، بما تعبَّدنا به من صلاة أو عطاءٍ أو دعاء، لحاجةٍ منه إلى ذلك، ولا لتنفيع طبقةٍ متمصلحةٍ من الدين، وإنما تعبّدنا بذلك لينمّي التقوى في نفوسنا ويثيرها في واقعنا ولنعي مسؤولياتنا في الحياة تجاه من يشاركوننا فيها، فبشرى للمحسنين الذين يعيشون الحياة إحساناً في الفكر والقول والفعل، على مستوى قضايا الحياة والإنسان.