خطبة الجمعة 6 ذوالقعدة 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: خلية العبدلي والتخوين الطائفي


ـ انطلاقاً من الفكرة التي عرضتُها في الخطبة الأولى بخصوص المبدأ الإلهي والعقلائي المتلخّص بقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ)، نصّ الدستور الكويتي في المادة 33 منه على أن: (العقوبة شخصية).
ـ وجاء في المذكرة التفسيرية للدستور بياناً لهذه المادة: (نصت هذه المادة على كون العقوبة شخصية، وذلك تطبيقاً لقوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ). وهذه مفردة من المفردات التي تجعلنا نعتز بهذا الدستور.
ـ ولديّ هنا وقفة مع تبعة من تبعات وآثار القضية الأمنية الأخيرة التي تُعرف باسم (خلية العبدلي).
ـ فقد عمد البعض ـ من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ـ إلى توسيع دائرة الاتهام والهجوم اللاأخلاقي لتشمل أفراداً وجماعاتٍ، بل وتخوين طائفة بعينها تمثّل جزءً أصيلاً من هذا الوطن في عمقه التأريخي إلى المستوى الذي قال فيه أمير البلاد: (هذولا عيالي).
ـ حسناً فعلت الجهات الرسمية بمنع تداول أي شيء له علاقة بهذا الإشكال الأمني إلا من قبلها، حفاظاً على اللحمة الوطنية ودرءً للمفاسد... وقررت إحالة العشرات من المسيئين إلى التحقيق والنيابة.
ـ وهذا تصرف حكيم من أصحاب القرار، فقد اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بنار الطائفية، على الرغم من قرب العهد من حدث تفجير مسجد الإمام الصادق(ع) وما تبع ذلك من تجلّيات وطنية رائعة.
ـ فما الذي جرى حتى انقلبت الصورة رأساً على عقب، واشتعلت الحرب الطائفية الكلامية بعد التجلّي الرائع للوحدة الوطنية في أعقاب تلك الجريمة.
ـ الحقيقة ـ كما ما نبّهت إلى ذلك بعد وقوع الجريمة الإرهابية ـ أن المعالجة العاطفية والآنية والسطحية لن تحل أصل المشكلة، بل لابد من خطوات عملية ومدروسة وجذرية.. وتأتي المعالجة التربوية والتعليمية على رأس تلك المعالجات.
ـ لماذ تُغيّب قاعدة (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) عندما يخص الأمر المواطنين الشيعة؟ بل ما السبب وراء التشكيك في ولائهم لوطنهم مع كل إشكال أمني أو إثارة طائفية؟ لماذا تتداعى هذه الفكرة إلى الأذهان بينما لا نجد لها مثيلاً لو انعكست الآية وكان الأمر يخص إخواننا من أهل السنة؟
ـ لعل جزءً من المشكلة يعود إلى ترسّخ هذه الفكرة في اللاوعي، كنتيجة طبيعية لتغييب دور الكويتيين الشيعة على المستوى الإعلامي والتعليمي في بناء هذا الوطن جنباً إلى جنب مع إخوانهم من أهل السنة.
ـ أنا لا أريد أن أطرح المسألة الوطنية من منظور طائفي، فهذا شيء سقيم وسلبي، ولكن أريد أن أبيّن خللاً يؤدي إلى حصول مثل هذا الشرخ المتكرر، لكي تتم معالجته جذرياً.
ـ وأقدّم بعض الأمثلة من حقائق التاريخ ـ التي يجهلها كثيرون ـ كنماذج على هذا التغييب السلبي، وليس من باب المنّة على هذا الوطن الذي أعطانا الكثير، وينتظر منا الكثير، بل لأجل تشخيص الخلل ومعالجته بما يعود عليه بنتيجة إيجابية.
ـ في عام 1782 هجم بنو كعب على الكويت، فما كان من المواطنين ـ شيعة وسنة ـ إلا أن هبّوا للدفاع عن البلد، وأسماء بعض الشهداء تؤكد مشاركة المواطنين الشيعة في الدفاع عن الوطن.
ـ وإذ كان الغزاة ـ بحسب انتمائهم المذهبي ـ من الشيعة، فقد طلب شيعة الكويت من أمير الكويت آنذاك الشيخ عبدالله الصباح، أن يكونوا هم في المقدمة حتى لا يكون دافع بني كعب في القتال أكبر تحت تأثير العنوان المذهبي الذي يُوظَّف عادة في مثل هذه الحالات.
ـ وهكذا نجد الدور الآخر للشيعة في معركة الجهراء، والذي تَمثّل ـ بالتنسيق مع أمير الكويت في وقته الشيخ أحمد الجابر ـ في حماية كويت الداخل، حتى أن السيد مهدي القزويني ـ أحد أبرز علماء الدين في وقته ـ كان يحمل السلاح بنفسه خارجاً مع جماعته إلى السور للقيام بمهمة الحراسة وحماية البلد تحسباً من الغزاة.
ـ وتتكرر هذه الصور مع الغزو الصدامي عام 1990م، بما يمثّل شاهداً حياً ومعاصراً على ما نقول.
ـ وإن كنا نتمنى لو خُلِّدت أسماء الشهداء بتسميات الطرقات، على الأقل أسوة بالتسميات التي ظهرت خلال الأشهر الماضية دون معايير واضحة، وأثيرت عليها إشكالات عديدة حتى توقفت.
ـ في سنة الهيلق 1867م، حيث حلَّت المجاعة في الكويت، لجأ أهل القرى إلى داخل السور، فما كان من أهل الكويت ـ بمن فيهم العوائل الشيعية ـ إلا أن فتحوا أبواب بيوتهم ودواوينهم لاحتضانهم وتأمين احتياجاتهم إلى نهاية الأزمة.
ـ وعلى مستوى التنمية نجد دور شيعة الكويت البارز في المجال الاقتصادي والتربوي والإعلامي والثقافي والسياسي وغيرها من المجالات، ومن أمثلة ذلك تأسيس المدرسة الجعفرية سنة 1937، وتأسيس أول إذاعة محلية سنة 1948م والتي عُرفت باسم (إذاعة شيرين)، وأمثلة عديدة لا يسعف المجال لذكرها.
ـ ولك أن تتخيل لو أن هذه الصور قُدِّمت بكل وضوح للطالب في المدرسة وفي الجامعة، ومن خلال وسائل الإعلام الرسمية، لا لترسيخ الروح الطائفية، بل للقضاء على هذا الخلل في الوعي واللاوعي عند مَن تتداعى لديهم فكرة عدم ولاء الشيعة الكويتيين لوطنهم.
ـ الكويت مجدداً أمام محنة واختبار.. ومسؤوليتنا كمواطنين ـ شيعةً وسنة ـ أن نتعامل مع هذه المحنة بحكمةٍ وبروحٍ وطنية، بعيداً عن العناوين الطائفية والروحية العشائرية التي تمزِّق وتدمِّر وتترك آثارها السلبية على مدى بعيد. وكما قلنا بعيد التفجير الإرهابي لمسجد الإمام الصادق(ع) أن الكويتيين من أهل السنة لا دخل لهم بما جرى، وأنه لا يجوز لأحد طرح المسألة من منظور طائفي، لأن الإرهاب لا يمثّل ديناً ولا مذهباً، بل هو سلوك إجرامي يرتدي لباس الدين أو المذهب، تلبيساً على الناس وخداعاً، فكذلك نقول اليوم أنه لا يحق لأحد أن يحوّل القضية الأمنية الأخيرة إلى وسيلة لاتهام الكويتيين الشيعة بعدم الولاء لوطنهم الذي لا يترددون في التضحية لأجله بأنفسهم وأبنائهم وأموالهم، وأنّ على الجهات المعنيّة التفكير بجدّية وباستخدام الأساليب التربوية والعلمية لمعالجة تغييب الدور الشيعي في بناء الكويت بالصورة التي باتت تؤدي إلى اتهامهم الدائم بعدم الولاء للوطن مع كل إثارة أمنية أو طائفية.