خطبة الجمعة 6 ذوالقعدة 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: المسؤولية الفردية


قال تعالى: (مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء:15].
ـ في القرآن الكريم في هذه الآية وأربع آيات أخرى قريبة من مضمونها حديثُ عن قاعدة من قواعد العدالة في الإسلام، سواء في ما له علاقة بالتبعات الدنيوية لما يختاره أو يفعله الإنسان، أو بالتبعات الأخروية على مستوى المسؤولية أمام الله تعالى.
ـ فقوله (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) يُقرر أنه لا يجوز أن يُحاسَب البريء أو يُعاقَب بذنب المجرم تحت تأثير أيّة علاقةٍ من قرابةٍ أو صداقةٍ أو غيرهما، ما لم يكن له دخلٌ في جريمته. وبنفس هذا المبدأ يعامل الله عباده يوم القيامة أي على أساس الفردية في المسؤولية.
ـ نعم، هناك استثناء واحد له علاقة بإضلال الآخرين، فإن صاحب السنة السيئة يتحمل مع العامل بها مسؤولية هذا الأمر: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل:25].
ـ في الجاهلية كان الأمر على خلاف ذلك، ولذا كانت مسألة الثأر ـ مثلاً ـ من القاتل وأقربائه وعشيرته مسألة مقبولة ـ بل وتصل إلى حد الالتزام العشائري ـ حتى أنه كان من أمثالهم: (الآخذ بثأر أبيه بعد أربعين سنة مستعجل)! إذ ينبغي أن يظل هذا الإنسان حاملاً للثأر مهما مَرَّتِ السنوات وتَقَادَمَتِ الأزمنة، حتى أنه يُعاب على رجولة الرجل إن لم يُقدِم على ذلك.
ـ أما المبدأ القرآني العقلائي فقد نسف هذا المفهوم الجاهلي، ووضع أحكاماً شرعية تخص القصاص والديات وأمثال ذلك، وضمن قنوات قانونية بالاحتكام إلى أهل الاختصاص العدول.
ـ ولم يقتصر الأمر على الجاهليين، بل حتى في المسيحية نجد شيئاً من هذا الخلل، وهي مقولة أن ذرية آدم يحملون خطيئته حين أكل من الشجرة وأُخرج من الجنة، وأن المسيح(ع) صُلب وتعذّب كي يتحمّل هذه الخطيئة الأولى ويخلّص الناس من هذه التبعة.. هذا يتعارض مع قاعدة (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
ـ وفي سفر التثنية من العهد القديم ما يصب في نفس اتجاه المنطق القرآني حيث جاءت العبارة هكذا: (لا يُقتَل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتَل الأولادُ عن الآباء، كلُّ إنسانٍ بخطيئته يُقتَل). (24/16)
ـ نعم مشكلة اليهود أنهم يميّزون بين اليهودي والأغيار، إذ يعتبرون أن هذا القانون وأمثاله من القوانين والأخلاقيات كالعدالة والأمانة والصدق والإخلاص لازمة في إطارهم الخاص أما مع الأغيار فالمسألة تختلف.
ـ وهذا بدوره مما رفضه الإسلام معتبراً أن القيم الإنسانية والأخلاقية لا تتجزأ، وهو ما يجب أن ندركه ونلتزم به، سواء على صعيد التعامل مع مَن يماثلوننا أو يختلفون معنا في الدين أو في المذهب أو في القومية أو في الانتماء العشائري أو غير ذلك من العناوين.