خطبة الجمعة 29 شوال 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: دعوة إمام الأزهر الشريف


إتماماً لما جاء في الخطبة الأولى وتعقيباً على دعوة شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر لإقامة مؤتمر للحوار الإسلامي ـ الإسلامي أسجل بعض الملاحظات:
ـ أولاً، لقد اعتاد العالم الإسلامي خلال العقود الماضية أن تكون الدعوة لعقد هكذا مؤتمرات بمبادرة من الأطراف الشيعية المختلفة، دولة أو حوزة أو شخصية علمائية أو جماعة سياسية أو مؤسسة دينية وأمثال ذلك
ـ ولكن أن تكون الدعوة هذه المرة:
1ـ من إخواننا أهل السنة، بل ومن قمة الهرم المتمثل في إمام الأزهر.
2ـ وأن يكون التخطيط لحضور علماء المذاهب على مستوىً عال وفاعل، وليس بحضور وتمثيل هامشي.
3ـ وأن يتم ذلك في الظروف العصيبة التي تعيشها الأمة وتعاني منها معاناة استثنائية ودامية.
فإن هذه المعطيات بمجملها تؤكد على أن هذه الدعوة تمثّل نقلةً نوعية تستدعي إيلائها أهمية كبرى.
ـ وأتمنى أن نشهد تفاعلاً جاداً، وعلى مستوى عال، وأطروحاتٍ عملية، تُنجح هذا المؤتمر ولو باعتباره خطوة أولى متجددة في طريق إصلاح حال الأمة، وإعلاء الصوت التقريبي على الصوت التكفيري.
ـ ثانياً، نتطلع أن يستطيع هذا المؤتمر الحفاظ على حياديته العلمية والعلمائية بعيداً عن الأجندات السياسية للدول المختلفة، فإن من أهم أسباب فشل هكذا مشاريع أن يتم ربطها بالمصالح والأجندات السياسية للدول الراعية والمُمَثَّلة، ففي السياسة لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم.
ـ بينما هكذا مشروع تقريبي وحدوي إسلامي يجب أن يكون منطلِقاً من الإيمان بأصالة وحدة الأمة انطلاقاً من أصالة الإيمان بتوحيد الله سبحانه، أي أن يكون مشروعاً بنيوياً واستراتيجياً، وليس مجرد مشروع تكتيكي ينطلق من مراعاة الظروف الآنية والضرورات المرحلية فقط.
ـ ثالثاً، من المهم جداً أن يبحث المؤتمِرون في كيفية إعداد مشروع بناء الإنسان المسلم الوحدوي، ونأمل أن يكون المشاركون في المؤتمر يؤمنون بهذا أصلاً، لأننا شهدنا خلال المشاريع السابقة كيف تنطلق الخطب الرنانة والأطروحات الجميلة في هذا الإطار، حتى إذا انفضّ المؤتمر، وخلى كلُّ واحد بجماعته، أو عاد إلى موطنه، عادت خطابات الاستسخاف بمتبنيات المذهب الآخر، والطعن في مقدساتهم وتوجيه التهم الباطلة وأمثال ذلك من معطيات تدمّر كل ما تم الاتفاق عليه.
ـ ولذا من المهم أن يضع العلماء والمفكرون المسلمون منهجاً جديداً يؤصّـل لعنوان الأخوّة الذي ذكرته الآية القرآنية المباركة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات:10]، باعتبار أن المعنيين في الآية هم المسلمون الذين تشهّدوا الشهادتين دون تمييز في انتمائهم المذهبي.
ـ وبعد ذلك تُبنى على هذا الأساس سائر المعارف الخاصة بالموضوع، ويُعمل على غرسها في العقلية الإسلامية، من خلال المنبر والكتاب والمنهج المدرسي والحوزات العلمية ووسائل الإعلام المختلفة.
ـ وأتصور أنه لا يمكن أن يتم ذلك ضمن الأطر المعرفية القائمة حالياً في المؤسسات والجامعات والحوزات الدينية، والتي تمثّل الأساس في تقديم الفكر الإسلامي ، ولذا من الضروري أن تبدأ الجهود من هذه النقطة.
ـ رابعاً، أن يتم الاتفاق على تشكيل ممثليات دائمة في الحواضر العلمية الكبرى كالأزهر الشريف وحوزة النجف الأشرف وغيرهما يقوم عليها علماء ومفكرون وحدويون يعملون على التواصل الدائم مع المرجعيات الدينية والعلماء، ويشرفون على المشاريع البينية، ويعالجون أولاً بأول أي تحدٍّ أو خلل، تماماً كما تقوم البعثات الدبلوماسية بين الدول بهذا الدور الحيوي والحساس.
ـ فالقطيعة الطويلة بين علماء ومفكري المذاهب، والتخاطب من بعيد، لن يحقق الأهداف المرجوة، بل وسيفسح المجال لأعداء المشاريع التقريبية بأن يُمرّروا مشاريعهم التمزيقية والإقصائية والتكفيرية، ولأقل مشكلة أن تتحول إلى كرة الثلج التي تتدحرج حتى تتحول إلى قوة تدميرية هائلة.
ـ خامساً، حتمية مواجهة مواطن الخلل بكل شجاعة وصراحة وقوة، لاسيما ذلك المتعلق بالإرث الفقهي والعقدي والتاريخي، وعدم المكابرة، فمن صفات الإنسان المؤمن أن يكون منصفاً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)[النساء:135].
ـ وهذا يستدعي خطوات علمية جريئة ناقدة للتراث، كما يستدعي خطوات عملية تقوم على مواجهة الأصوات النشاز التي تنطلق من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام والمعلوماتية، وتقديم الخطاب البديل القائم على الحجة والدليل.
إننا في الوقت الذي نرحب ونشجع ونؤكد فيه على أهمية عقد مؤتمر الحوار الإسلامي ـ الإسلامي الذي دعا إليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، فإننا نتطلع إلى أن يكون هذا المؤتمر منطلَقاً متجدداً وجاداً في طريق التخفيف من حدة الاحتراب المذهبي والانقسام الطائفي، وفي مواجهة المنهج التكفيري الإقصائي الذي بات يمثّل الصوت الأعلى في الخطاب الإسلامي، واللاعب الأبرز على ساحة التجاذبات السياسية، ولا يخفى أن كثيراً من أوجه هذا الصراع وإن كانت واجهتُها التعصب والانتصار لهذا المذهب أو ذاك، إلا أن الأيدي الخفية التي تحركها وتموّلها إنما تريد أن تقطف الثمار التوسعية، أو تخدم الأجندات الاستكبارية، أو تصب في مصالح السياسات الخاصة بهذه الدولة أو تلك لضمان بقاء حكمها أو توسيع نفوذها ولو أريق في هذا الطريق آخر نقطة من دماء الأبرياء. اللهم انصر الإسلام وأهله واخذل الكفر والنفاق وأهله.