خطبة الجمعة 29 شوال 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الأولى: معيار خيرية الأمم


(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)[آل عمران:110]
ـ قيمة كلّ أمّة بالنسبة إلى الأمم الأخرى، هي في المبادئ التي تؤمن بها من جهة، وفي الدور الكبير الذي تقوم به في حياة النَّاس، وهو ما لخصته الآية السابقة.
ـ فالخيرية هنا ليست خيرية ذاتية كما تصور اليهود والنصارى حين قالوا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)[المائدة: 18]، بل هي خيريّة المضمون والدور العملي الذي تقوم به.
ـ ومتى ما تخلت الأمة عن متبياتها وعن دورها الإيجابي الفاعل على الأرض في التغيير إلى الأحسن، فإن هذا يعني تخلّيها عن موقع الخيرية، والعكس صحيح، فبمقدار تمسكها بتلك المبادئ وفاعليتها التغييرية، من خلال البحث عن مواطن الخلل والفساد والقيام بدور الإصلاح، كلما حافظت على وسام الخيرية المهداة إليها من قبل الله سبحانه وتعالى.
ـ ومن أهم المشاريع التي تتحقق من خلالها (الخيرية) ويُفترض بالأمة الإسلامية أن تنهض بها وتأتي على رأس قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واقعنا المعاصر هي معالجة موضوع (التعايش.. والتقارب.. والوحدة) بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، معالجةً فكرية حقيقية، وعملية مدروسة.
ـ فقد قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:103-104]
ـ منذ عدة أشهر أطلق فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب مبادرته لعقد مؤتمر للحوار الإسلامي الإسلامي يجتمع فيه علماء المذاهب الإسلامية المختلفة بهدف تقريب وجهات النظر حول قضايا الرئيسة للأمة، وفي محاولة لمواجهة التعصب المذهبي، والتخفيف من حدة الصراع الطائفي.
ـ ولاشك أن كل غيور على الإسلام والمسلمين يسعد لسماع مثل هذا الخبر، وهو إن تحقق فسيكون خطوة إيجابية وسينفخ شيئاً من روح الأمل في هذه الأمة التي باتت تحدّق في المستقبل المظلم والمجهول الذي تنحدر إليه بشكل مخيف.
ـ ولي بعض الملاحظات في هذا الشأن أذكرها في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.