خطبة الجمعة 22 شوال 1436 - الشيخ علي حسن ـ الخطبة الثانية: معادن الرجال


(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب:22].
ـ تتحدث هذه الآية الشريفة عن موقف المؤمنين في مواجهة جيش الأحزاب الرهيب الذي شكَّله تحالف قريش مع العديد من القبائل العربية حتى بلغ تعداده ما يفوق العشرة آلاف مقاتل.
ـ فقد أثبت أولئك المؤمنون مصداقيتهم في هذا الموقف العصيب، تماماً كما قال تعالى في وصفهم بعد آية من الآية السابقة: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب:23].
ـ وفي المقابل هناك الصورة المخزية لمجاميع أخرى أثبتت فشلها الذريع في هذا الاختبار العملي: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) الشرك (لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا)[الأحزاب:12-13].
ـ وفعلاً عند الشدائد تظهر معادن الرجال! فكثيرون هم الذين يملؤون الدنيا بالادّعاءات: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)، ولكن كم منهم يُترجم تلك الادّعاءات إلى حقيقة واقعية عند المحن؟
ـ أبان الغزو الصدامي لدولة الكويت قبل ربع قرن، كشفت المحنة العصيبة معادن رجال الكويت، لاسيما شباب الداخل الذين فجروا طاقاتهم وإبداعاتهم لمواجهة الظرف الاستثنائي الذي يتعاملون معه لأول مرة.
ـ ولعل الأمر كان مفاجئاً لكثيرين، فما كان يُتوقع من هذا الإنسان المترف المرفّه أن يؤقلم نفسه وبكل سرعة مع المتغيرات الطارئة، فيحمل السلاح ويقاوم ويسخّر نفسه لخدمة المجتمع في شتى المجالات، حتى في مجال جمع القمامة وما أشبه ذلك من مهام وخدمات ما كان يطرأ على بال أحد أنه سيقوم بها في يوم ما.
ـ فتلك المحنة أظهرت المعدن الأصيل للشاب الكويتي.. وبقيت تلك الروح وذلك العنفوان إلى ما بعد تحرير الكويت من براثن الغزو الصدامي، ولكن للأسف فإن عودة العقلية التقليدية في إدارة الدولة لم تستطع استثمار ذلك، فماتت روح الكفاح، وخبا عنفوان الشباب.
ـ وهذه الأيام، مجدداً، تقف الكويت أمام مشهد رائع آخر من مشاهد تفجّر الطاقات الشبابية وإبداعاتهم إخلاصاً لله وحباً للوطن ووفاءً للمجتمع.
ـ فقد تداعى أبناؤنا ـ دون تردد ـ لتشكيل مجاميع حماة الصلاة عقب التفجير الإجرامي لمسجد الإمام الصادق (ع) في بدايات شهر رمضان، على الرغم من صعوبة الظروف وشدة المحنة.
ـ ومن المؤسف أن تسطّر بعض الأقلام الإعلامية كلمات التشكيك والتشويه والتعريض بهؤلاء الشباب الذين تخَلَّوا عن ساعات الراحة والتكاسل والترفيه، ليقفوا تحت أشعة الشمس الحارقة وهم صائمون، معرِّضين أنفسهم لخطر الموت، ومسترخصين حياتَهم لتأمين سلامة المصلين في المساجد.
ـ علماً بأن كل ما قاموا به من خطوات أمنية وإجراءات وقائية، كانت بعلم وبالتعاون والتنسيق مع الجهات الأمنية المختلفة، وهي ما زالت كذلك إلى هذه الساعة.
ـ وقد شهدتم كيف قامت الجماعات التكفيرية الإرهابية بتفجير آخر لبيت من بيوت الله في أبها السعودية، لتقتل المصلين الآمنين، مؤكدة عزمها على الاستمرار في جرائمها المخزية، وفاتحةً الباب أمام احتمال تكرار محاولاتها في الكويت أيضاً.
ـ ومع هذا نجد عزم وإصرار شبابنا حماة الصلاة على التواجد اليقظ والدائم فجراً وظهراً وليلاً لدرء نوايا الشر عند المعتدين، وبمعية رجال الأمن.. حفظ الله الجميع.
ـ إننا في الوقت الذي نطالب فيه الجهات الرسمية والشعبية بتشجيع وتكريم وتنمية روح المسؤولية في هؤلاء الشباب ـ حماة الصلاة ـ الذين يتحدون خطر الموت الحقيقي بكل شجاعة وتصميم، فإننا نطالب تلك الأقلام المسيئة التي لا تخدم مصلحة الوطن بالكف عن إطلاق المقولات المشكِّكة بإخلاص أبنائنا، كما فعل البعض من قبل حين شكك في إخلاص الصامدين في وجه الغزو الصدامي تحت وطأة أشد الظروف والقمع والإرهاب وشحة الموارد، متهمين إياهم بالعمالة للغزاة، بينما كان بعض أصحاب تلك التصريحات يتنعّمون في فنادق الخمس نجوم. أبناءنا يا حماة الصلاة، لا تلتفتوا إلى الأصوات النشاز، وكونوا مع الله، يكن الله معكم، وردّوا بجهودكم المخلِصة شيئاً من الجميل إلى هذا الوطن الذي أنعم الله به علينا، فإن الوفاء من شيم الكرام.